تحيا الفوضى

“أبو غريب” واحد من سجون العراق الأكثر عتمة وعنفاً، بل والأكثر وحشية في تاريخ السجون الذي شهدته دول الطغيان، ماقبل سقوط بغداد بنصف ساعة كان سجّانوه يعاقبون المساجين بسلخ جلودهم إذا ماتجرأ سجيناً على النظر من كوّة الزنزانة صوب العابرين إلى منصّة الإعدام، لحظة سقوط بغداد، فتح السجّانون بوابات السجن مع رجاءاتهم المتصلة للمساجين بمغادرة زنازنهم، وبمزيد من الرجاء.

ـ في بغداد سقط الطاغية، ففتح باب السجن وتحوّل السجّان إلى متسوّل لعاطفة السجين.

واليوم، يفرّ سجناء سجن “الهدى” في السودان، ومعه فراراً واسعاً من سجن السجينات المسمى سجن “التائبات” والأكثر ضجيجاً كان فرار سجناء سجن “كوبر المركزي”، وهو االسجن الواقع  الخرطوم بحري، والأخبار الواردة من السودان تحكي عن خطف قادة نظام الرئيس السابق المعزول عمر حسن البشير، الذي انكشف أنه كان موجودا في مشفى “علياء” التابع للجيش، وأن بعض كبار المسؤولين السابقين موجودون في المشفى أيضا، فوجدت هذه الرواية الأخيرة تأكيدا لها مع إطلاق مسؤول سابق كبير، هو أحمد هارون، شريط فيديو ألقى فيه بيانا صوتيا يقول فيه إنه غادر السجن مع مسؤولين سابقين آخرين وإنهم “سيوفرون الحماية لأنفسهم” ويعتبر هارون، الذي كان مساعدا للبشير، من أخطر رجال النظام كونه واحدًا من أربعة مسؤولين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمر توقيف بحقهم، بينهم البشير نفسه، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وعلي كوشيب، أحد قادة ميليشيات الجنجويد، ووجهت إليهم تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور بين الأعوام 2003 و2007.

أعطى إطلاق سراح هارون، وتصريحه الآنف، أسبابا لجهات سياسية في السودان، أهمها “قوى الحرية والتغيير” لاعتبار ما يحصل “دليلا على أن النظام البائد يقف خلف الحرب في السودان” وأن ما يحصل من حرب حاليا يهدف إلى “عودة الطغمة الفاسدة المستبدة للحكم مجددا بأي شكل من الأشكال”.

أدلى “الدعم السريع” بدلوه في حرب التحليلات، فاتهم مستشار سياسي لمحمد حمدان دقلو، “الاستخبارات العسكرية” بإطلاق سراح رموز النظام السابق “بالتنسيق مع الإسلاميين” وبذلك تلاقت تحليلات أهم القوى السياسية المدنية، من “الحرية والتغيير” إلى “تجمع المهنيين السودانيين” وكثير من الكتاب والناشطين، مع الدعاية السياسية لقوات حميدتي”.

في سجون السودان، كما قتلة وجزّارين، وعلى رأسهم البشير، آلاف سجناء الرأي والحريات، هؤلاء الذين فتك بهم النظام، فأنقذتهم الفوضى كما الحال في عراق صدّام، فالوجه الآخر للفوضى قد يحمل وجهاً ما للعدالة، وهذا ماشهدته سجون ليبيا، يوم سقوط القذافي، ولنتصور ما الذي سيكون عليه حال السجون السورية فيما لو شاءت الأقدار وسقط نظام بشار؟

سيفرّ من سجونه قتلة مأجورين، وسيفرّ من سجونه مئات آلاف سجناء الرأي، أولئك الذين فقدوا الامل برؤية الضوء، وانقطعت أخبارهم وربما نسوا أسماءهم بعد سنوات من تحويلهم إلى أرقام.

أن يفرّ سجيناً من مثل البشير من السجن والعقاب، فتلك لعنة، ولكن أن يفرّ معه الآلاف من سجناء الرأي وهاجس الحريات، فتلك مأثرة عظيمة، فقد سجنهم العنف، ومن ثم أطلقهم العنف.

يوم سقط الباستيل، وهو السجن الشهير، عثر فيه مجتاحو السجن على سبع سجناء.. سبع سجناء فقط، من بينهم مزوّر عملة وآخر “مجنون”.

لنتخيل أن يتاح للسجون السورية أن تُفتَح بواباتها ويؤذن لسجنائها الفرار.

ـ كم ألف آلاف سيهرعون خارج بوابات زنازنهم ليهتفوا:

ـ تحيا الفوضى.

تحيا الفوضى التي قد تفرج عن مجرم وقاتل، سوى أنها تفرج معها عن مئات آلاف من ضحايا تغوّل النظام.

Exit mobile version