تداعيات التغييرات في سوريا على الوضع السياسي في العراق

مرصد مينا

يراقب العراقيون هذه الأيام سواء على المستوى السياسي أو الشعبي التطورات الإقليمية، وخاصة في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتأثيراتها المحتملة على الوضع في العراق.

وتدور هناك نقاشات حول ما إذا كانت هذه التطورات ستؤدي إلى تغييرات جذرية في النظام السياسي العراقي وشخصياته، بينما يرى البعض أن التغيير سيكون محدوداً، يقتصر على تعزيز جهود الحكومة لمكافحة الجماعات والفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرتها.

تحولات في السياسة الشيعية

في ضوء التكهنات الكثيرة حول تأثير الأزمة الإقليمية على العراق، يرى أحد المسؤولين المقربين من الحكومة العراقية أن القوى الشيعية في السلطة تتصرف الآن ببراغماتية واضحة لأول مرة.

يقول هذا المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن القوى الشيعية في العراق فضلت هذه المرة مصالح البلاد ومصالحها الخاصة على الانخراط في محور الممانعة، مما ساعد في تجنب أي ضربة إسرائيلية قد تؤثر على العراق.

ويضيف المسؤول أن قبل حوالي أسبوعين، أصدرت تنسيقية المقاومة بياناً في اجتماع لقوى الإطار التنسيقي، أسندت فيه مسؤولية التعامل مع التحديات الحالية إلى الحكومة العراقية، وابتعدت تماماً عن استهداف إسرائيل.

هذه الخطوة تُعتبر بمثابة تحول في الطريقة التي تعاملت بها القوى الشيعية مع الوضع الإقليمي، حيث أظهرت براغماتية واضحة في مقاربتها للأزمة.

وحول كيفية تجنب العراق أي ضربات محتملة أو تغييرات جذرية، أكد المسؤول أن الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان أن حل صراع الشرق الأوسط لن يكون إلا بنهاية أذرع إيران في المنطقة.

بناءً على ذلك، ضغطت واشنطن على إسرائيل لعدم توجيه ضربات إلى العراق، بناءً على طلب من الحكومة العراقية.

في المقابل، طلبت إسرائيل من واشنطن الضغط على الفصائل العراقية لوقف الهجمات ضدها، وهو ما وافقت عليه الفصائل.

تغيير في علاقات القوة بالمنطقة

من جانبه، يرى الباحث والمحلل يحيى الكبيسي أن التغييرات السياسية في العراق لن تنجم عن أي تدخل خارجي، بل ستكون نتيجة لتغيرات في علاقات القوة التي طالت المنطقة بأسرها.

يعتقد الكبيسي أن النظام السياسي العراقي الذي تأسس بعد عام 2003 لم يعد سوى “شكل فارغ” وأنه في الوقت الحالي، تتحكم علاقات القوة في مجريات الأمور.

وعليه، فإن أي تغيير في علاقات القوة على مستوى المنطقة ستكون له تداعيات مباشرة على العراق.

كما يشير الكبيسي إلى أن التغييرات التي تشهدها سوريا، بالإضافة إلى الضغط الذي قد تتعرض له إيران خاصة مع وصول إدارة جمهورية في الولايات المتحدة، ستؤثر على الوضع في العراق.

وقال إنه في حال تعرضت إيران لضغوط كبيرة أو أُزيلت أذرعها في العراق، فإن ذلك سيفرض شروطاً جديدة على البلاد ويغير معادلة القوى في العراق.

صعوبة التنبؤ بمستقبل العراق

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إياد العنبر، يرى أن فكرة حدوث تغييرات جذرية في العراق أصبحت محط نقاش مكثف في الآونة الأخيرة، وذلك نظراً للتحولات الإقليمية التي يشهدها الشرق الأوسط وتأثيراتها على النفوذ الإيراني في العراق.

ويشير العنبر إلى أن التغيرات التي حدثت في سوريا وما شهدته من تحولات قد يكون لها تأثيرات بعيدة المدى على الوضع السياسي في العراق.

كذلك يعتقد العنبر أن المتغير الأساسي في العراق هو التأثير الإيراني، حيث إن النخب الشيعية في العراق مرتبطة بشكل وثيق بالنفوذ الإيراني.

وأضاف أنه على الرغم من وجود عدة سيناريوهات محتملة مثل حدوث تغيير جذري في هيكلة السلطة أو إعادة تنظيم المؤسسات الأمنية، إلا أن المعطيات الحالية لا تشير إلى حدوث تغيير كبير في الوقت الراهن.

احتمالية حدوث تغيير داخلي

في المقابل، يرى الباحث سليم سوزة أن من المبكر الحديث عن تغيير سياسي كبير في العراق نتيجة للأحداث في سوريا، معتبراً أن الوضع في العراق يختلف تماماً عن سوريا.

ومع ذلك، يؤكد سوزة أن التطورات الأخيرة في سوريا سيكون لها تداعيات كبيرة على العراق والمنطقة ككل، حيث أن ضعف الدور الإيراني في المنطقة قد يضع الحكومة العراقية في موقف صعب، خصوصاً في حال اندلعت احتجاجات شعبية أو فوضى اجتماعية.

يضيف سوزة بالقول إن انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة، فضلاً عن احتمال سحب القوات الأمريكية من سوريا، سيجعل العراق أمام تحديات جديدة في الحفاظ على سيادته ودفاعه عن نفسه أمام التيارات المتطرفة.

ورغم ذلك، فإن سوزة يرى أن التغيير الشامل في العراق سيكون أمراً صعباً في ظل النظام القائم، الذي يعتمد على مراكز نفوذ متعددة، ما لم يتحرك الشعب نفسه للتغيير.

Exit mobile version