مرصد مينا – هيئة التحرير
اقتنعت وكالات الاستعلام الغربية والأمريكية تحديداً، بأن الوقت قد حان لصياغة نظام إقليمي جديد وتثبيت أسسه بسهولة ودون معارضة تذكر. لكن سرعان ما تبنت قطر وجهة النظر الغربية، فسعت الى توسيع دائرة الثورات في منطقة المغرب العربي ومصر وتغذيتها بعيداً عن آراضها. وأمكن لها بفضل عائداتها المالية الضخمة أن تستقطب النخب الإعلامية والسياسية في دول شمال أفريقيا وتقوم بتوظيفها لمصلحة مشاريعها.
ومن المعلوم أن سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي، بعد ثورة فيفري 2011 كان سبباً رئيساً أدخل ليبيا في متاهة الانقسام وانهيار الدولة، وساهم في خلق جو من القلق وأحدث ارباكا على المستويين الإقليمي والدولي. واضافة الى ذلك فقد نتج عن النزاع المسلح في ليبيا هلاك عشرات الآلاف من المدنيين العزل، وأدت الصراعات العسكرية المتواترة إلى عدم الاستقرار في جميع أنحاء شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، فتحولت القارة الافريقية برمّتها الى نقطة محورية متزايدة للمنافسة العسكرية والاقتصادية.
المخاطر الجيواستراتيجية
لقد اندلع فتيل الحرب الأهلية في ليبيا خاصة في غرب البلاد، بعد أن حاصر الجيش الوطني طرابلس في محاولة للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني. وتحدّثت تقارير أممية عن وجود حوالي 400.000 مواطن ليبي في مناطق المواجهة المباشرة فضلا عن الرعايا العرب ومن بعض الدول الأفريقية والآسيوية. كما أشارت ذات التقارير إلى أن أكثر من 500.000 شخص ما زالوا نازحين داخليًا بسبب العنف، فقد شنّ الجيش الوطني الليبي ما لا يقل عن 900 غارة جوية دقيقة بطائرات دون طيار و 200 أخرى بواسطة القاذفات المقاتلة الى حدود شهر فيفري 2020.
وفي الأثناء؛ شنّت حكومة الوفاق الوطني والقوات التابعة لها 300 غارة جوية تقريبا، في حين كانت الإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وتركيا وروسيا تدعم الأطراف المتنافسة في الصراع الليبي منذ مراحله المبكرة، وتصاعدت المخاطر الجيواستراتيجية. وفي الأثناء تدخلت القوات البرية التركية لدعم حكومة الوفاق الوطني في خطوة اعتبرها المتابعون للشأن الليبي بمثابة ردّة فعل على التدخل المصري الروسي في النزاع وعلى نشر تعزيزات عسكرية روسية لدعم قوات المشير خليفة حفتر.
تدويل الصراع
ومن جهتها قامت القوى الاقليمية الفاعلة سياسيا في ليبيا، بتجنيد المرتزقة من جنسيات مختلفة ووظّفت الطائرات دون طيّار وأنظمة الدفاع أرض-جو وغيرها من المعدّات ذات التقنية العالية، في محاولة منها لتغيير موازين القوى لصالحها. بعد أن اصطفت هذه القوى الخارجية الى جانب الفصيلين الليبيين الرئيسيين وهذا الوضع كان سببا مباشرا في تدويل الصراع في ليبيا. وفي هذه الاثناء تضاعف تعقيد المشهد الليبي، حيث أخذ تدويل الصراع يشكل كابوسًا جغرافيًا واستراتيجيًا واقتصاديا في القارة الافريقية ومنطقة البحر الابيض المتوسط. وهذا الوضع المتسم بعدم الاستقرار والتوتر أعاق جهود الأمم المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار، وزاد من مخاطر الحرب الأهلية في ليبيا وهو في النهاية يشكّل تهديدًا أكبر للأمن الدولي.
في المقابل يراكم لاعبون دوليون آخرون الخسائر في ليبيا، وهم أساسا جيرانها، وهنا نتحدث خاصة عن تونس والجزائر بدرجة اولى واوروبا في الضفة المقابلة.
وجيران ليبيا ورغم أنهم المعنيون بشكل مباشر بما سينتج عن هذا الصراع فان تأثيرهم في الأزمة بات شكليا فهذه تونس مثلا غير قادرة على تقديم أيّ مقترح او مبادرة للحل وتكتفي في كل مرة بالتأكيد على أنها تفضل الوقوف على الحياد وتشدد على ضرورة ان يكون الحل سلمياً وهو طبعا حديث دبلوماسي خشبي لا يتعدى مجرد التصريحات التسويقية أما الجزائر الخارجة لتوها من ازمة داخلية ورغم انها تحاول جاهدة ان تستعيد دورها في الأزمة فلم تفلح بعد بدورها في تقديم مقترح حقيقي يمكن أن يشكل نقطة بدء لتسوية شاملة أما مصر فقد اختارت حليفها في هذا الصراع.
سيناريوهات عدّة
على الضفة المقابلة، تجد أوروبا نفسها في مواجهة نفوذ تركي متزايد في المنطقة يبتزها بالمهاجرين وينافسها على ثروات البلد النفطية رغم كل المبادرات التي قادتها وارادت من خلالها اخذ زمام المبادرة وآخرها مؤتمر برلين إضافة الى إطلاق عمليات مراقبة لحظر تصدير الأسلحة نحو ليبيا.
وقد يكون من المبكر جداً التكهن بما سيحدث في ليبيا على المدى القريب لكن معركة قاعدة الوطية التي انتهت لفائدة حكومة الوفاق قد تفتح البلد على سيناريوهات عديدة أبرزها تركيز تركيا لقاعدة عسكرية لها هناك بالوطية مما قد ينذر بحدوث مواجهة دولية على الأراضي الليبية غير البعيدة عن تونس وهو ما يجب أن تتعامل معه هذه الأخيرة بجدية أكثر وتضعه في اعتبارها.
وتبقى في النهاية التوازنات الإقليمية والدولية هي المتحكم الرئيس في الأزمة الليبية بعد أن بان بالكاشف عدم قدرة الفرقاء الليبيين على تجميع موقف وحيد يمكن أن يقرر مصير الشعب الليبي منذ 2011 الى اليوم.