الكل توافق على “إهانة” وإذلال اللاجئ السوري، أو من يسعى إلى اللجوء، وما حدث ويحدث في “ايفروس” تلك الجزيرة اليونانية المحاذية للحدود التركية، اكبر من “حادث”، واكثر تراجيدية من أيّ تراجيديا سابقة عليه، لا لأنه يتصل بتحويل اللاجئ إلى “آكل عشب”، ومقتول بلدغات العقارب فحسب، بل لأنه يقدّم وسيلة إيضاح عما آلت إليه حياة السوري وقد تقطّعت به السبل وتخلّى العالم عنه، سوى من نشرات اخبار مجتزأة، عابرة، لاتشكّل حتى مادة للإثارة الوجدانية أو العاطفية.
مجموعة من البشر مرميون في نهر كان اسمه “نهر الأفعى”، وبات اسمه النهرب المستلب لحياة سوري سلب حياة كثيرين حاولوا عبوره على متن قوارب صغيرة هروبا من واقعهم وظروفهم نحو حياة اعتقدوا أنها أكثر أمانا.
لقد وصل هؤلاء اللاجئون الـ39 إلى الجزيرة اليونانية قادمين من تركيا طلبا للجوء، ولكن الحكومة اليونانية رفضت حتى السماح لمنظمات الإغاثة بمساعدتهم، متجاهلة قرارا من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بإنقاذهم.
تفيد الاخبار و”بحيادية صادمة، أن هؤلاء اللاجئون يعيشون على ضفة نهر الأفعى حيث لا طعام ولا ماء ولا دواء، وتحيط بهم بحيرة وأحراش تتفشى فيها الأفاعي والعقارب.
لقد غرق شابان حاولا عبور هذا النهر لبر الأمان، كما قضت الطفلة مارية ذات الأعوام الخمسة قبل أيام بلدغة عقرب، في حين توجد شقيقتها آية ذات الأعوام التسعة في حالة حرجة وفي وضع بالغ الخطورة بعد أن أصيبت هي الأخرى بلدغة عقرب.
ومع تقطع السبل بهم، لا يجد هؤلاء اللاجئون ما يقتاتون به غير الأعشاب والنفايات، ويشربون الماء العكر، وبينهم نساء حوامل، في حين تستمر المناشدات من خلال رسائل قصيرة تبعث بها، الفتاة اللاجئة بيداء الصالح لناشطين وصحفيين، في محاولة لاستقبالهم في الجانب اليوناني.
وبالإضافة إلى الظروف القاسية التي يعيشون فيها، فقد اشتكى هؤلاء اللاجئون من أن حرس الحدود اليوناني جرد بعضهم من ملابسهم وسرق أمتعتهم وهواتفهم.
كما اشتكوا أيضا من تعرضهم للضرب على يد القوات التركية واليونانية على جانبي الحدود.
اليونان رفضت طلبا تقدم به أطباء يونانيون متطوعون لمنحهم تصريحا بزيارتهم.
ويقول اللاجئون إنهم أضحوا عبارة عن كرة تتقاذفها الأطراف ذهابا وإيابا عبر الحدود، فلا أحد يريدهم ولا أحد يستمع إليهم أو يمد يد المساعدة لهم، ويخشون من موت بعضهم قبل إنقاذهم.
وبالتوازي مع ذلك، تفرض اليونان طوقا محكما على حدودها منعا لتسلل غير قانوني لطالبي اللجوء إليها.
يحدث كل هذا، ولا ترتفع أصوات تساوي “الصوت”، وهانحن نقلّب بصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كذا في بيانات المعارضات، فلا صوت أي صوت، اما نظام بلادهم، ونعني أصطلاحًا “نظام” فهو التشفّي بل التشفّي وحده، والايام لمن يُلقى إلى الثعابين والعقارب، هي غير الأيام المسترخية لمواطن ينام في سريره.. لاصوت، ولا احتجاج، ولا مجتمع دولي، ولا ثمة مايتجاوز الخبر العابر لناشط يبعث برسائل موجعة عبر هاتفه النقّال.
الاوروبيون منشغلون بالحرب الروسية الاوكرانية، وفي تركيا لا يمر يوم دون جريمة بحق لاجئ سوري، أما اليونانيون فقد مارسوا الفظاعات بحق هؤلاء وصولاً لسرقة من لم يتبق له ما يُسرق.
التراجيديات السورية متصلة، غير أن العرض الاكثر فظاعة هو العرض الذي كان علينا أن نفتح أعيننا جيدًا لنراه.. هو عرض “جزيرة العقارب”، لبشر فرّوا من “حفرة التضامن، ليقعوا في الحفرة الأخرى.
عرض مكتمل، لتراجيديا منسية، لبشر منسيين.