هي لست حربًا إسلامية / مسيحية، فلا طيب أردوغان من الصحابة، ولا ايمانويل ماكرون من رافقوا المسيح في عشائه الأخير، إنها استثمار الدين مرتين:
مرة على يد أردوغان الطامح ليكون مرجعية إسلامية، وبصيغة أدق مركزًا إسلاميًا وبقية الاسلام من أطرافها.
وثانية على يد ماكرون الذي لابد ويسترضي اليمين الفرنسي، ويرفع من شأن حريات / مساواة / عدالة، موطّداً بذلك ما أسست عليه الجمهورية الفرنسية.
بالنتيجة ثمة ماهو عالق ما بين االفرنسيين والأتراك، والعالق متعدد، متشعب، متنوع، ويمتد من ليبيا حيث مطامع غاز ونفط المتوسط، إلى آسيا الوسطى وهناك الصراع الأذري / الارمني والمرتبط أيّما ارتباط بخطوط الغاز، وليس انتهاء بلبنان، وقد تمدد أردوغان في طرابلس، فيما وضع ماكرون يده على بيروت حيث الميناء، وبالنتيجة ثمة صيغة مستقبلية ما بين البلدين، والصيغة هي التالية:
تحت سقف الحرب المفتوحة، وفوق سقف التفاهم وحسن العلاقات.
وكليهما، أردوغان وماكرون يلعبان على الحافة، وهي اللعبة التي رسمها هنري كيسنجر للأمم، وسارت الأمم على هديها بما يجعل طبول الحرب تتعالى وترتفع، دون أن تكون الحرب قد وقعت، ونعني هنا (حرب المراكز مع المراكز)، فيما حروب الأطراف أو الحروب بالوكالة تقع، وتنمو، وتزدهر، فتكون الأطراف هي الخاسرة فيما المراكز تقبض ثمن الحروب وعائدات الحروب.
اليوم ثمة لاعبين أساسيين، وهما لاعبا الصورة، فيما اللاعب (الملك) ليس هنا ولا هناك، إنه في مكانين، في واشنطن حيث القوّة، وفي انكلترا حيث العقول، وكلا اللاعبين سواء الأمريكاني أو البريطاني، يرغبان في عدم انهيار أي من البلدين (فرنسا / تركيا)، وبذات الوقت يرغبان في إضعاف البلدين، فالبلدين قوتين من الناتو، ولكل منهما أساطيله وقواته التي لن تخرج عن الإرادة الأمريكية، فيما ستكون الرغبة على الدوام هي التالية:
ـ حليف لايخرج عن المرسوم.
وليحدث ذلك لابد من إضعاف الحليف، والفارق كبير ما بين اضعاف الحليف، وانهيار الحليف، فإضعافه هو المرغوب، وانهياره من غير المسموح، ما يعني ترك القوتين (الفرنسية والتركية) يسبحان في حرب الكلام، دون الوصول الى تشغيل السلاح، اما الضحايا الفعليون فبالقطع ليس اللاعبون، بل جمهور الملعب.. جمهور الملعب من المسلمين، كما جمهور الملعب من الفرنسيين، وليس بالأمر البعيد أن تشهد شوارع باريس الكثير من المطاردات والسكاكين، مابين:
ـ إلاّ رسول الله. وبين:
ـ إلاّ روبسبير.
وكليهما، لاهذا يحمي رسول الله، ولاذاك يحمي روبسبير، فاللعبة في جوهرها لعبة الحواف، ولعبة الحواف لم يسبق أن انتهت إلاّ إلى موائد المفاوضات.
خذ حصتك من لبنان وهات حصتي.
خذ حصتك من ليبيا وهات حصتي.
خذ حصتك في افريقيا وهات حصتي.
وما من حصة لفرنسي أو تركي، إلا وكان شريكهما الأمريكان.
تلك هي الحكاية.. ما تبقى غبار كلام.