fbpx
أخر الأخبار

تركيا من الداخل 3/2

مرصد مينا  – ملفات

يعتبر اقتصاد تركيا اقتصاد سوق ناشئ كما حدده صندوق النقد الدولي، ويعرف الاقتصاديون وعلماء السياسة تركيا الآن كواحدة من الدول الصناعية الحديثة في العالم، إذ تحتل تركيا المرتبة التاسعة عشرة من إجمالي الناتج المحلي الاسمي في العالم، والثالثة عشر في الناتج المحلي الإجمالي “حسب تعادل القوة الشرائية”، كما تعد الدولة التركية من بين المنتجين الرائدين في العالم للمنتجات الزراعية، المنسوجات، السيارات، معدات النقل، مواد بناء، الإلكترونيات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية.

الهيكلة..

منذ قيام الجمهورية التركية رسميا عام 1923 مرت البلاد بتغيرات رئيسية في سياسات الاقتصاد لتحقيق نمو باهر، إذ ركزت الدولة بين أعوام 1923-1929 على تراكم الثروة الخاصة، ثم بين أعوام 1929-1945 ركـّزت سياسة التنمية على تراكم الدولة للثروة في فترة أزمات عالمية، لتبدأ بعدها بين أعوام  1950-1980 فترة تصنيع تقوده الدولة، لينفتح الاقتصاد التركي بعد عام 1980 وحتى وقتنا الحاضر على التجارة الليبرالية في السلع والخدمات وتعاملات الأسواق المالية، إذ شكلت تلك المراحل نظاما اقتصاديا ينتج نطاقاً واسعاً من المنتجات الزراعية والصناعية والخدمية للأسواق المحلية وللتصدير، وقد نمى ذلك الاقتصاد بمعدل سنوي متوسط في أغلب فتراته بمتوسط 6 بالمئة، رغم مرور اقتصاد البلاد بعدة أزمات حادة.

ففي أواخر عقد السبعينيات، بلغ الاقتصاد التركي أسوأ أزماته منذ سقوط الدولة العثمانية، فقد فشلت السلطات التركية في اتخاذ اجراءات كافية لضبط آثار الارتفاع الحاد في أسعار النفط، وقامت بتمويل العجز الناجم بقروض قصيرة المدى من المقرضين الأجانب، وبحلول 1979 بلغ التضخم مستوى الثلاث أعداد (أي أكثر من 100بالمئة)، وارتفعت البطالة إلى نحو 15بالمئة، وأصبحت الصناعة تعمل بنصف قدرتها، ولم تعد الحكومة قادرة على دفع حتى فوائد الديون الأجنبية، إلا انه في يناير 1980، بدأت حكومة رئيس الوزراء “سليمان دميرل” حينها  في تنفيذ برنامج إصلاحي واسع صممه نائب رئيس الوزراء “طركد أوزال” لنقل اقتصاد تركيا إل النمو بالتصدير.

كذلك أصيب الاقتصاد التركي بضربة في الصميم بسبب حرب الخليج عام 1991، بسبب الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق اقتضى إنهاء صادرات النفط عبر خط أنابيب كركوك-يمرطالق، وقد نتج عن ذلك فقدان تركيا لرسوم خط الأنابيب، و خسر الاقتصاد التركي ما يناهز 3 مليارات دولار كانت في التبادل التجاري مع العراق، إلا أن السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة هبـّت لتعويض تركيا عن تلك الخسائر، وفي عام 1992 عاود الاقتصاد التركي النمو بسرعة.

الأداء الاقتصادي المبهر لتركيا في الثمانينيات حاز إعجاب وكالات التصنيف الائتماني في وال ستريت، وفي عامي 1992 و 1993، استخدمت الحكومة تلك التصنيفات لجذب أموالاً لتغطية عجز الميزانية. وبلغت إصدارات السندات الدولية في تلك الفترة 7.5 مليار دولار. ساعدت تلك التدفقات المالية على الحفاظ على سعر الصرف المبالـَغ فيه.

ولكن اقتراض الحكومة من الخارج أزال الضغوط عن معدلات الفائدة المحلية، بل وحفـّز المزيد من اقتراض القطاع الخاص في اقتصاد ساخن جداً. ولشعورها بوجود فرصة ربح سهلة أثناء تلك الفترة، اقترضت البنوك التجارية التركية بأسعار الفائدة العالمية وأقرضتها بأسعار الفائدة المحلية العالية في تركيا بدون الخوف من انخفاض قيمة العملة. ونتيجة لذلك، ارتفعت الديون الأجنبية قصيرة المدى لتركيا بشكل حاد. وخفتت الثقة الخارجية والداخلية في قدرة الحكومة على إدارة أزمة أقساط الديون المستحـَقة، مما ضاعف من المصاعب الاقتصادية.

فصل جديد.. خانات “العدالة والتنمية” المحذوفة

في 22 فبراير 2001، تم تعويم الليرة التركية، حيث كانت تساوي مئات الآلاف “قبل حذف الخانات” فارتفع سعر الدولار بالنسبة لليرة التركية من 682666.7 إلى 1159452.2 بنسبة 69.8 في المائة في أول يوم للتداول الحر، وواصلت الليرة الهبوط حتى بلغت 1383049.3 في أبريل/نيسان 2005.

الانهيار الاقتصادي في 2001 ساقته مشاكل سياسية واقتصادية كانت تضرب تركيا لسنوات، وقلت الثقة في الحكومة بشكل كبير جدًا بسبب الفساد والعجز عن تشكيل تحالفات دائمة، لذلك برزت الحاجة الماسة لنظام سياسي ثقافي جديد يسهـِّـل على الشعب تقبـُّل التغيرات الاجتماعية الهائلة، وفي هذا السياق يلعب الدعاة الدينيون دوراً محورياً، لذا فقد برز رجال مثل “فتح الله كولن” ثم “نجم الدين أربكان”، ليفتحوا الطريق لتزاوج القرار السياسي مع الثقافة الدينية متمثلة في حكم حزب العدالة والتنمية، وحكومة “رجب طيب أردوغان”.

في 2002، ورث “أردوغان” اقتصاداً بعد عام من تعويم الليرة، وكان قد بدأ في التعافي من الركود نتيجة الاصلاحات التي قام بها “كمال درويش” بإرشاد من صندوق النقد الدولي، وساند “أردوغان” وزير المالية حينها وعدو اليوم “علي باباجان” في تقوية سياسات الاقتصاد الكلي، محاولا اجتذاب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى تركيا وأزال العديد من الضوابط الحكومية.

وفي 3  أكتوبر2004، قررت تركيا حذف ستة أصفار من عملتها ليصبح اسمها الليرة التركية الحالية، والتي واصلت الانزلاق من قرابة 1,3 في عام 2005، بشكل تدريجي وغير مضر حتى بلغت في 2016 قيمة 3.149 ، وهو العام الذي شهد الانقلاب العسكري الفاشل على الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.

إلا أن أهم ما يميز الاقتصاد التركي في عهد “أردوغان” هو الارتفاع الحاد في الاقتراض الخارجي من البنوك الغربية، ودون الاعتماد على الاقتراض من صندوق النقد الدولي، فقد بلغ إجمالي الدين الخارجي لتركيا 112 مليار دولار حين تولى “أردغان” الوزارة في مارس 2002، ثم قفز هذا الدين إلى 421,434 مليار دولار في نهاية النصف الأول من عام 2016.

الانقلاب الفاشل..

مع تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا عام 2002، شهد الاقتصاد التركي مرحلتين متناقضتين تماما يمكن تسميتهما بازدهار “قبل” وانحدار “بعد” محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة منتصف يوليو/ تموز 2016.

ولاحت في الأفق بعد الانقلاب أزمة اقتصادية مع فرض حالة الطوارئ وتشديد القمع ضد المعارضة كما واجهت تركيا تبعات تدهور السياحة والعملة وهروب استثمارات أجنبية.

وفيما وصف بالمخاطر الجدية على الاقتصاد التركي بعد الانقلاب كشف وزير الجمارك والتجارة التركي حينها “بولنت توفنكجي” أن محاولة الانقلاب الفاشل كلفت البلاد خسائر تقدر بنحو 100 مليار دولار، أي ما يعادل 12.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 800 مليار دولار، ونقلت عنه صحيفة “حرييت” أن الخسائر تتضمن مباني مدمرة، ومعدات عسكرية وتراجع الطلب الخارجي على السلع وتراجع السياحة.

وسبق الانقلاب خسائر بمليارات أخرى في قطاعات السياحة والسفر والتجارة والإنتاج؛ بسبب الهجمات الإرهابية والمقاطعة الروسية، بعد قصة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود مع سوريا، كما شهدت قبل ذلك خسائر إضافية هامة بعد قطع طريق التجارة البري بينها وبين أسواق الخليج عبر الأراضي السورية، حيث كانت أكثر من 80 ألف شاحنة تركية تعبر هذه الأراضي متوجهة إلى هذه الأسواق الهامة جدا لتصريف المنتجات التركية.

وقد انعكست هذه الخسائر بشكل سلبي على الليرة التركية التي فقدت نحو ثلث قيمتها خلال السنوات الثلاث التي سبقت الانقلاب.

وبعد الانقلاب الفاشل بدأت الكثير من الشركات والبنوك الكبرى بمحاولات إيقاف الاستثمارات الأجنبية، بضغوط حكومية خارجية لا تحبذ التعامل مع العدالة والتنمية، بسبب زعزعة الاستقرار السياسي وبما وصف بالإجراءات القمعية التي يقوم بها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وحزبه ضد المعارضين والمثقفين والإعلاميين ممن يخالفونه الرأي.

أزمات العملة والديون..

أعاقت أزمة 2008 المالية العالمية استمرار معدل تضخم أحادي الرقم في تركيا. ارتفع معدل التضخم ليصل إلى 10.1 بالمئة في 2008، لكنه عاد للانخفاض إلى رقم واحد في 2009 و2010. بعد معدل تضخم سنوي بلغ 6.4 بالمئة في 2010، سبّبت صدمات الطلب المفاجئة المتعلقة بالأغذية غير المجهزة والنفط والذهب – التي لا سيطرة للسياسات النقدية عليها– معدل تضخم بلغ 10.45 بالمئة في 2011. مع ذلك، انخفض معدل التضخم إلى 6.16 بالمئة في عام 2012، وهو أدنى مستوى تاريخي منذ 1968.

عام 2018 عصفت بتركيا أزمة مالية لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا؛ وذلك بسبب التداعيات الدولية التي لحقت ومسَّت البلاد، وتميزت بانخفاض قيمة الليرة التركية، وارتفاع التضخم ، وارتفاع تكاليف الاقتراض ، وبالتالي ارتفاع حالات التخلف عن سداد القروض، ونشأت الأزمة بسبب العجز المفرط في الحساب الجاري للاقتصاد التركي والديون بالعملة الأجنبية .

تدهور ..

مع وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة “أردوغان” إلى السلطة عام 2002 تغنى الكثيرون بتركيا كمثال للنجاح الاقتصادي، فيما أطلق عليه حينها “المعجزة الاقتصادية التركية” في إصلاحات وأجواء ثقة أدت إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي التركي بأكثر من الضعف في غضون عشر سنوات، ورافق ذلك تقليص نسبة البطالة وزيادة تدفق الاستثمارات ومضاعفة دخول العاملين واستقرار سعر الليرة التركية، وهكذا صعدت تركيا الذي سماها بعض الخبراء “النمر الاقتصادي الصاعد” خلال “الحقبة الأردوغانية” إلى المرتبة السابعة عشرة بين أهم القوى الاقتصادية العالمية.

إلا أن معارضون سلطوا الأضواء فترة النجاح تلك على الوجه الآخر لهذا الازدهار، الذي اعتمد بشكل كبير على التمويل بالعجز والاقتراض المتزايد من الخارج، بدلالة  وصول الدين الخارجي التركي إلى 406 مليار دولار بحلول نهاية عام  2015، أي ما يزيد على 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي التركي حسب نشرة موقع الاستثمار والتجارة الألماني “GTAI”، أما الاحتياطيات من النقد الأجنبي فقدرها التقرير بحوالي 91 مليار دولار أواخر العام المذكور، يمكن بفضلها تمويل الواردات لحوالي 6 أشهر فقط.

أما بعد محاولة الانقلاب استمر وبشكل متواتر فيما يسميه معارضون بالكارثة الاقتصادية والانهيار شبه الكامل، وتراجعت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار شيئا فشيئا، وما زاد الطين بلة أزمة الجائحة العالمية “كورونا” التي لم تترك اقتصادا عالميا من شرها وتبعاتها السيئة، حتى فقدت الليرة التركية أواخر فبراير/ شباط الماضي، 3.5 بالمئة من قيمتها لتسجل أدنى قيمة لها منذ 7 أشهر ببلوغها 7.47 مقابل الدولار الواحد.

 وبذلك تخلت الليرة التركية عن جميع مكاسبها التي حققتها منذ شهر نوفمبر/كانون الثاني 2020، والتي بلغت نحو 20 بالمئة.

عوامل خارجية وداخلية للتدهور الاخير..

حصر خبراء اقتصاد أسباب انخفاض سعر صرف الليرة التركية مؤخرا في عوامل عدة، بينها ما هو خارجي وبينها ما هو داخلي، وكانت كالتالي:

ارتفاع عائدات سندات الخزينة الأمريكية

تسبب ارتفاع عائد سندات الخزانة الأمريكية من 1.10 بالمئة في بداية فبراير/شباط الماضي إلى 1.6 بالمئة في حدوث اضطراب في سوق الأوراق المالية وهو أعلى مستوى له منذ ظهور فيروس كورونا، كما تسبب في ضغوط على جميع العملات الناشئة حيث كانت الليرة التركية العملة الأكثر انخفاضا  في العالم خلال جائحة كورونا بـنحو 3.2 بالمئة.

 – انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي

كذلك يعد تراجع احتياطيات النقد الأجنبي في تركيا من أهم عوامل تراجع قيمة عملتها، فرغم بلوغ إجمالي احتياطات البنك المركزي التركي نحو 95 مليار دولار بحسب تصريحات الرئيس “رجب طيب أردوغان” مؤخرا، إلا أن صافي الاحتياطي يبلغ سالب 45 مليار دولار وفق تقارير لخبراء اقتصاد.

 – تراجع تدفقات رأس المال الأجنبي

شهدت بداية العام الحالي بحسب تقارير خروج 857 مليون دولار من مستثمرين أجانب من بورصة إسطنبول، وأن تراجع حصة الأجانب في بورصة إسطنبول إلى 45.5 بالمئة في فبراير الماضي يعد أدنى مستوى منذ عام 2004، رغم كل المزايا التي تقدمها تركيا كموقع استراتيجي، واتساع السوق المحلية، وبيئة استثمارية مناسبة، وآليات شاملة محفزة على الاستثمار، وسهولة التصدير لدول الجوار.

 يضاف إلى ذلك توفير الدولة التركية للمستثمرين فرصا مثل الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة، وتخفيضات على الرسوم الجمركية وإعفاء من الضريبة الجمركية، وتخصيص مكان للاستثمار وغيرها من الفرص والإمكانات

 – القلق من ارتفاع التضخم

ارتفاع عجز الحساب الجاري التركي لأكثر من 36 مليار دولار في 2020، وبقاء معدلات التضخم فوق 10 بالمئة (14.97 في يناير الماضي) ساهم في إضعاف قيمة العملة التركية، بالإضافة إلى استيراد السلع الوسيطة والمواد الخام التي تزيد من تكلفة المنتجات التركية وبالتالي يتسبب في زيادة أسعار المنتجات النهائية التي تصل إلى المستهلك، والنتيجة هو تأثير سلبي على قيمة الليرة التركية.

تضخم ومعدلات عجز مرتفعة للتجارة التركية..

كشفت بيانات أعلنتها وزارة التجارة التركية، مع بداية العام الحالي، أن العجز التجاري للبلاد ارتفع بنسبة 69.12 في المائة إلى 49.91 مليار دولار في العام الماضي.

وأظهرت البيانات أن واردات البلاد ارتفعت 4.32 في المائة إلى 219.43 مليار دولار في 2020، بينما تراجعت الصادرات 6.26 في المائة إلى 169.51 مليار دولار.

أما خلال شهر كانون الأول\ ديسمبر الماضي، فكانت قد ارتفعت الواردات 11.75 في المائة إلى 22.41 مليار دولار، في حين زادت الصادرات هي الأخرى 15.97 في المائة إلى 17.84 مليار دولار.

كذلك كشفت بيانات معهد الاحصاء التركي مع بداية العام ذاته، أن معدل التضخم ارتفع أكثر مما هو متوقع، حيث وصل إلى 14.6 بالمئة على أساس سنوي في شهر كانون الأول\ ديسمبر الماضي، فيما بلغ أكثر من 14 بالمئة في شهر نوفمبر.

يشار الى أن الحكومة التركية كانت قد توقعت في برنامجها المتوسط الأجل أن التضخم سيبلغ 10.5 بالمئة في نهاية 2020، لكن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة والخلاف مع فرنسا والنزاع مع اليونان على الحقوق البحرية والمعارك في ناغورني كاراباخ، أدت  إلى إثارة قلق المستثمرين،  ما انعكس سلباً كذلك على أداء العملة، حسبما يقول خبراء اقتصاديون.

 وكانت الليرة التركية سجلت مطلع شهر تشرين الثاني\ نوفمبر العام الماضي، مستوى قياسي منخفض بلغ 8.58 للدولار، فيما ارتفعت  الى 7.4 مقابل العملة الأميركية بعد أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل كبير.

تبعات على السكان..

ووفقا لأرقام مؤشر أسعار المستهلك، الذي ينشره سنويا مكتب الإحصاء التركي، كانت هناك زيادة كبيرة وصلت إلى 27 في المائة على مستوى أسعار المواد الغذائية العام الماضي، بالنسبة للخضروات أو الفاكهة أو البيض أو الزيت أو الحليب، ويجب دفع أسعار باهظة في الأسواق التركية.

الرئيس “أردوغان” ألقى  باللوم على تجار التجزئة، وأعلن حينها عن “عقوبات صارمة”، وبالإضافة إلى التجار، رد السبب إلى الجفاف العالمي ووباء كورونا في جعل الأسواق في جميع أنحاء العالم في حالة اضطراب.

لكن المنتقدين لديهم وجهة نظر مختلفة عن الأشياء، ويقول البعض “تتمتع تركيا في الواقع بظروف مناخية مثالية لزراعة وفيرة الإنتاج. ومع ذلك، يجب استيراد الفواكه والخضروات”، رادين سبب التضخم في سوق المواد الغذائية إلى الحكومة بحد كبير.

وأوضحوا أنه “ولسنوات طويلة، استثمرت حكومة حزب العدالة والتنمية بشكل أحادي الجانب في قطاعي البناء والخدمات والقليل جدا في القطاع الزراعي، و”تم التضحية بالأراضي الزراعية لصالح المباني، من أجل بناء مشاريع سكنية كبيرة” حسب رأيهم.

فيما عزا آخرون الارتفاع الصاروخي للأسعار إلى الليبرالية الجديدة في القطاع الزراعي، “عندما يرتفع سعر الدولار، فهذا يعني أن أسعار المواد الغذائية ترتفع بسبب ارتفاع التكاليف أيضا للديزل والأسمدة، التي تأتي بشكل أساسي من الخارج. وفي تركيا، تنخفض الغلة في الحقول، وتختفي القرى لأن الناس يعتقدون أن الزراعة لا تأت بمحصول كافٍ”.

شعب فقير ومدان..

كشفت أرقام صادرة عن نقابة موظفي الخدمات التركية العامة في شهر فبراير /شباط الماضي، أن 70 بالمئة من الأتراك يعيشون في ديون، موضحة، إن 59 مليون شخص لديهم ديون بخلاف تكاليف الإسكان والتكاليف ذات الصلة، مع زيادة الفقر بنسبة 8.4 بالمئة في العامين الماضيين، وذلك بحسب تقرير صادر عن النقابة تحت عنوان “عدم المساواة في الدخل والفقر خلال فترة COVID-19 في تركيا” .

عضو الاتحاد اليساري لنقابات العمال التقدمية في تركيا، “جينيل إيش” أوضحت أن نصيب الفرد من الدخل القومي في البلاد كان من بين أدنى المعدلات في أوروبا حيث بلغ 7715 دولارًا.

وشهدت تركيا زيادة غير مسبوقة في الطلب على القروض خلال تفشي فيروس كورونا المستجد، حيث زادت أعداد العاطلين عن العمل ونسبة الفقر، وفي يونيو فقط، حصل ما يزيد عن مليون تركي على قروض لتلبية احتياجاتهم المالية وإتمام عمليات الشراء الصغيرة، وذلك وفقا لما نشرته جمعية المصارف التركية.

وبات ما يزيد عن 34 مليون تركي يواجهون خطر المجاعة، فيما البطالة الحقيقية تتجاوز 17 مليون، وهو ما تسبب بزيادة نسبة أمراض الاكتئاب وعدد حالات الانتحار في البلاد لأسباب معيشية، وهو ما كشفه تقرير قدمه حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا بداية الشهر الحالي، عن ارتفاع نسبة الانتحار بين المواطنين الاتراك خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، متهما الأخير بإيصال المواطنين إلى حالات اكتئاب شديدة بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي جلبته سياسات الحزب الحاكم.

التقرير الذي عرضته نائبة رئيس الحزب “جمزة أقكوش إيلجازدي”، أوضح أنه كانت هناك زيادة بنسبة 48 في المائة في حالات الانتحار تحت حكم حزب العدالة والتنمية، وقالت “كل أسبوع يموت ما لا يقل عن 65 مواطنًا في نظام حكم الرجل الواحد”.

هجرة الاستثمار الخارجي..

على وقع التراجع الكبير الذي سجّلته الليرة التركية في قيمتها أمام العملات الأجنبية مؤخرا، تسعى الكثير من الشركات الكبرى والبنوك لمغادرة العمل في تركيا.

وأعلنت هذا الشهر مارس/ آذار شركة “افيفا” البريطانية مغادرة تركيا لإعادة هيكلة دولية تخطط لها، تجنباً لخسائر محتملة فيما لو استمرت في أنشطتها داخل تركيا التي تشهد أزمة مالية غير مسبوقة.

كذلك لم تستبعد وسائل إعلام محلية مغادرة بنك الاستثمار البريطاني المعروف اختصاراً بـ HSBC للأراضي التركية، إذ أعلنت إدارة البنك في بداية العام الجاري، عن نيتها في الانتقال من تركيا، “إذا كان بالإمكان العثور على مشترٍ محلّي”.

وألغت شركة “فولكسفاغن” أيضا مشروعها الذي كانت تهدف من خلاله لإنشاء مصنعٍ في تركيا بقيمة 1.1 مليار دولارٍ أميركي، واختارت سلوفاكيا عوضاً عنها، وذلك “لأسباب سياسية” وفق “هربرت ديس”، المدير التنفيذي لفولكسفاغن.

يشار إلى ان “فولكسفاغن” كانت قد علقت خططها التجارية في تركيا بعد ضغوطٍ من الرأي العام الألماني جراء اجتياح الجيش التركي لمزيدٍ من الأراضي السورية شمال شرقي البلاد في أكتوبر من عام 2019، حيث شنت أنقرة هجماتٍ على المقاتلين الأكراد وحلفائهم المحليين في “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الغرب وواشنطن.

وبحسب بيانات وزارة التجارة التركية، فقد تم إغلاق 99 ألف و588 متجرًا و 40 ألفًا و735 شركة في عام 2020، فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل 4 ملايين و 16 ألفًا وفقًا لبيانات هيئة الإحصاء التركي، إلا ان أرقام غير رسمية تقول إن العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل بلغ قرابة 10.7 مليون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى