تركيا وإعادة التموضع الإقليمي.. سوريا تحت مظلة التفاهمات

نبيل الملحم

مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يبدو أن أنقرة تتهيأ لإغلاق ملفاتها الكبرى، داخليًا وإقليميًا، بما يضمن للرئيس نهاية متماسكة لحكمه الطويل، ومن أبرز تلك الملفات، يبرز الملف السوري، الذي شهد مؤخرًا تحولات لافتة، آخرها توجيه أردوغان رسالة علنية إلى القيادة السورية، يحثهم فيها على الإسراع بتنفيذ الاتفاقات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ضمن إطار زمني ضيق.

هذه الرسالة، وإن بدت في ظاهرها تلميحًا دبلوماسيًا، إلا أنها تخفي وراءها خريطة تحولات أوسع في الاستراتيجية التركية تجاه سوريا، والمنطقة ككل، فتركيا اليوم لا تعيد التموضع وحسب، بل تعيد هندسة تموضُعها، وتحاول أن تحسم الملفات المعقدة قبيل نهاية العهد الأردوغاني، وفي مقدمتها، الملف الكردي، النظام الدستوري الداخلي، والعلاقات المتشابكة في شرق المتوسط.

من هنا، لا يمكن قراءة التحول التركي بمعزل عن عودة دونالد ترامب إلى واجهة المشهد السياسي الأمريكي، وما يرافق ذلك من تفاهمات تركية–أمريكية جديدة، تطال السياسة الخارجية لأنقرة، ومن ضمنها الملف السوري.

وإذا كانت تركيا قد تموضعت طويلًا في منطقة التوتر مع أبوظبي، فإن السنوات الأخيرة –وبالأخص منذ عام 2016– بدأت تشهد انقلابًا صامتًا في العلاقات، تحوّل إلى شراكة استراتيجية على وقع حاجة الطرفين لرسم نفوذ إقليمي جديد، تحت المظلة الأمريكية، ويبدو أن هذه التفاهمات ليست معزولة، بل تتكامل مع تفاهمات أنقرة مع تل أبيب أيضًا، بما يخدم إعادة تقاسم النفوذ في فضاء شرق المتوسط، وسوريا جزء مركزي فيه.

في المقابل، يسجّل غيابٌ شبه تام للدور المصري، وتردّد سعودي مردّه إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي، واستقرار “التاج” على رأس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبين غياب وتردد، تملأ أنقرة وأبوظبي الفراغ، بتنسيق عالٍ، وخطط مدروسة، يبدو أن سوريا ستكون أول ساحات تطبيقها.

أما داخليًا، فيحمل أردوغان على عاتقه مشروعًا لتعديل الدستور، متسلحًا بزخم سياسي يحاول تعزيزه عبر تصفير الأزمات، وخصوصًا الأمنية منها، حيث يمثل الملف الكردي أحد أعقد هذه الأزمات، ولهذا، فإن أي تفاهمات سورية–كردية تحت رعاية تركية قد تشكل له انتصارًا مزدوجًا: إقليميًا وداخليًا.

من جانب آخر، تشير مصادر عديدة إلى انتهاء مرحلة “إدارة الصبيان”، في إشارة إلى تراجع دور مراكز الدراسات، والخبراء البريطانيين، وشركات العلاقات العامة التي كانت تدير بعض تفاصيل الملف السوري من كواليس الفنادق الفخمة.

زمام المبادرة اليوم بيد واشنطن مباشرة، وفريق ترامب تحديدًا، بالشراكة مع أنقرة وأبوظبي.

هذه التفاهمات الكبرى ستنعكس حكماً على شكل النظام السياسي في سوريا، وعلى موضعها في الخريطة الجيوسياسية المقبلة.

لسنا أمام مجرد إعادة انتشار عسكري، بل أمام تحول بنيوي في خرائط النفوذ، وإعادة رسم للتحالفات.

ما سيحدث لابد ويحمل عنوان:
ـ يقف التاريخ ليكتب من جديد، هذه المرة من أنقرة وأبوظبي، لا من موسكو وطهران.

Exit mobile version