خطوة جديدة غير مسبوقة تجعل المسافة بين تركيا وإيران في أقرب نقطة لها في تاريخ البلدين، حيث أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني “عبد الناصر همتي” أن بلاده ستبيع نفطها بالليرة التركية بدلاً من الدولار الأمريكي، في خطوةٍ شبيهة بالخطوات السابقة التي اتخذتها طهران تجاه روسيا، بعد أن اعتمدت على الروبل الروسي في تعاملاتها التجارية.
مقايضات سياسية وأحلاف متناقضة
محللون ومراقبون رأوا في القرار الإيراني مقايضة بين السياسة والاقتصاد، خاصةً وأنه يأتي بعد أيامٍ من تصريحات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” التي قدم فيها دعماً سياسياً كبيراً للممارسات الإيرانية في المنطقة؛ بما فيها تسليح الحوثيين ودعمهم في حركتهم الانقلابية ورفض الاتهامات الدولية الموجهة لها بالمسؤولية عن الهجمات التي طالت منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية، رغم كل الأدلة التي تدل على تورط إيران.
وأضاف المحللون: “المعادلة أصبحت واضحة تماماً، المصلحة التركية اليوم باتت في المعسكر الإيراني، فأردوغان بحاجة لدعمٍ اقتصادي قد يجده عبر البوابة الإيرانية، في حين تبحث إيران عن مخرج من عزلتها السياسية الإقليمية، وربما عن منفذ لتأمين عمليات تهريب النفط عبر الأراضي التركية، خاصة مع اعتراف الرئيس روحاني بالأضرار التي لحقت ببلاده جراء العقوبات الأمريكية، لا سيما على قطاع النفط”، مشيرين إلى أن الاثنين “إيران وتركيا” تعتبران بالنسبة لروسيا أرضين صالحتين لاستعادة الدور الدولي من جديد، وتطويعهما لخدمة مشاريعها في المنطقة وتحديداً في سوريا.
إلى جانب ذلك، أشار المحللون إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد ولادة تحالفٍ جديد بين دول تتبنى خطابات وأيديولوجيات متباينة وربما تكون متصارعة، لافتين إلى اختلاف المرجعيات بين روسيا الشيوعية وإيران الاثني عشرية وتركيا الإخوانية، مضيفين: “المفارقة تكمن في أن هذا التحالف أنشأ في سوريا، حيث تتخذ إيران وروسيا موقف الداعم الأول والأكبر للأسد، في حين تعتبر تركيا حاضنةً للمؤسسات المعارضة السورية، الأمر الذي يوحي بأن هذا التحالف بشكلٍ أو بآخر بنى أول لبناته على دماء الشعب السوري”.
اللعب على الحبال وتعليقات منددة
انحياز السياسة التركية الواضح باتجاه دعم ممارسات إيران في المنطقة وميلها إلى المعسكر الإيراني الروسي، وجد له صدى على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر عدد من المعلقين أن سياسة حكومة “أردوغان” قامت على استغلال الأزمة السورية بما يتناسب مع مصالحها، مشيرين إلى أن سياسة “المهاجرين والأنصار” التي روجت لها الحكومة طيلة السنوات الماضية أثبتت أنها مجرد استهلاك إعلامي.
واعتبر ناشطون أن التقارب التركي مع إيران؛ كشف سياسية اللعب على الحبال التي تتبعها الحكومة التركية، كما كشف الفارق الكبير بين الواقع السياسي التركي وبين تصريحات الرئيس “أردوغان” التي كان دائماً ما يؤكد خلالها دعمه للمظلومين في العالم.
وأضاف معلق باسم “محمد محمد”: “أردوغان كان يجب عليه أن يسأل من بدأ بالانقلاب على الشرعية قبل أن يدعم الحوثيين، كان عليه أن يرى بأن ما حدث في اليمن هو انقلاب شبيه بمحاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا صيف العام 2016 والتي اعتقلت الحكومة التركية بسببها عشرات الآلاف وسرحت مئات الآلاف من وظائفهم”، معتبراً أن أردوغان في تصريحاته وقراراته الأخيرة لم يدع مجالاً للشك بأنه كان واحداً من الأطراف التي لعبت دوراً رئيسياً في تدمير سوريا، كما له دوراً شبيها في ليبيا وربا يكون له دوراً آخراً في اليمن.
وفي تعليق آخر، اعتبر حساب باسم “سوريا الحرة” في تغريدة على تويتر أن حزب العدالة والتنمية بات يتبع سياسة المقامرة السياسية، وأن تركيا تتجه نحو أن تعزل نفسها إلى جانب طهران، خاصةً وأن أنقرة باتت تسبح عكس التيار الدولي.
وكان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في تصريحات صحفية خلال القمة الثلاثية حول سوريا قد أبدى دعماً لميليشيات الحوثي في اليمن، مضيفاً: “إن العالم يجب أن يتذكر من بدأ بقصف اليمن”، وذلك في تعليق منه على حادثة استهداف ميليشيات الحوثي لمنشآت نفطية سعودية قبل أيام.
مراقبون رأوا في تصريحات أردوغان محاباة واضحة لسياسة إيران في المنطقة لا سيما وأنه أطلقها خلال مؤتمر صحفي حضره إلى جانب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن”؛ الرئيس الإيراني “حسن روحاني” الذي اعترفت بلاده بدعمها المباشر للميليشيا الحوثية التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ ما يزيد عن خمس سنوات بعد انقلاب دامٍ.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي