مرصد مينا – هيئة التحرير
مع اقتراب دخول عيد الفطر المبارك، تعيش المدن التركية واقعاً معيشياً صعباً، والذي يتأثر بشكل مباشر بعدة عوامل طالت حياة المواطن التركي ودخله، بحسب ما يؤكده مجموعة من الباحثين الاقتصاديين.
يشار إلى أن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا قبل أيام قليلة، فيديو يظهر سيدة تركية تبحث في القمامة عن بواقي طعام لعائلتها، اذ أشارت خلال حديثها مع مصور المقطع إلى أنها أم لـ 7 أبناء ولا تجد ما تقتات منه، مخرجةً من القمامة دجاجة كاملة مرمية، ما اعتبر مؤشراً على الفجوة المعيشية في البلاد.
ربع الشعب بلا طعام..
الأزمة المعيشية في عمومها، لم تقتصر على المناطق الصغيرة أو النائية في البلاد، بحسب ما يؤكده الناشط التركي، “عمر دوغان” – اسم مستعار-، لافتاً إلى أن مظاهر الفقر بدأت تظهر بشكل واضح حتى في المدن الكبيرة بما فيها اسطنبول وأنقرة، نظراً لأن الفقر بات صفة عامة في تركيا، على حد قوله.
حالة الفقر والعوز أدت إلى ارتفاع كبير في معدلات الانتحار، يقول “دوغان” مستشهداً بإحصائيات معهد الإحصاء التركي الحكومي، والتي تكشف عن تسجيل 1370 حالة انتحار في تركيا نتيجة الفقر خلال السنوات الماضية.
ويأتي كلام “دوغان” تزامناً مع ما يكشف عنه استطلاع رأي نشره مركز MetropollK بأن واحد من بين كل أربعة أتراك، عاجز عن تأمين احتياجاته، في حين نصف السكان لا زال يصارع للبقاء.
يضيف “دوغان”: “الفقر وانخفاض الدخل بل وانعدامه لبعض الأتراك، يتزامن مع حالة غلاء متسارعة أفقدت الشعب التركي قدرته على استيعاب ما يحصل في بلاده، فالكثير منهم ينزل إلى السوق ويعود دون شراء شيء بسبب اختلاف الأسعار بين يومٍ وآخر”، لافتاً إلى أن الكثير من العائلات التركية لن تحتفل بالعيد تحت وطئة الفقر والعجوز وضعف الحال.
يذكر أن اتحاد نقابات العمال التقدّمية قد كشف أواخر العام 2020، عن ارتفاع معدلات البطالة إلى 17 مليون عاطل عن العمل، و16 مليون فقير في تركيا و18 مليون مواطن آخرين يعيشون على حافة الفقر.
وكان البنك الدولي قد أعلن في تقرير له أصدره منتصف العام 2020، عن حجم المأساة المعيشية في تركيا، مبيناً أن 13.9 بالمئة من الشعب التركي يعيشون تحت عتبة الفقر الوطنية المحددة بـ4.3 دولار في اليوم للشخص الواحد.
أزمات بلا حلول..
في عمق الأزمة الاقتصادية يظهر ثلاثة عوامل أساسية كما يقول المحلل الاقتصادي، “مالك بكرلي”، لافتاً إلى أن العامل الأول هو السياسة الخارجية للدولة التركية، وثانيها السياسات الاقتصادية على المستوى الداخل، وثالثها انتشار وباء كورونا.
ويوضح “بكرلي”: “لو نقسم الحالة التركية اقتصادياً خلال فترة حكم العدالة والتنمية إلى مراحل فإن لدينا مرحلتين: الأولى هي فترة النهوض والتي يمكن حصرها بين عام 2002 وحتى عام 2014 تقريباً، والثانية بين عام 2014 وحتى الآن، وهي فترة الانهيار الاقتصادي”، لافتاً إلى أن كلا المرحلتين تشتركان بعوامل السياسية الخارجية والاقتصادية لحكومة العدالة والتنمية، مع استثناء عامل وباء كورونا.
من الناحية السياسية، يشير “بكرلي” إلى أن حكومة العدالة والتنمية ورثت عن سابقاتها علاقة مميزة مع الغرب، مكنتها من استثمار ذلك اقتصادياً وتحسين وضع العملة التركية وبناء شراكات تجارية مع مختلف دول العالم بما فيها المنطقة العربية، موضحاً أن تحولات السياسة التركية فيما بعد وتحديداً بعد الانتقال إلى الحكم الرئاسي والتوجه نحو تشكيل تحالفات سياسية مع روسيا وجماعات متشددة مثل جماعة الإخوان المسلمين والانزلاق في حروب خارج الحدود أدت إلى تأثر الوضع الاقتصادي بشكل كبير لتبدأ هنا فترة الانهيار على حد وصفه، مع فرض العقوبات الغربية وقطع العديد من الدول العربية لعلاقاتها مع تركيا، في مقدمتها مصر والسعودية والإمارات.
تزامناً مع التأثير السلبي للسياسات الخارجية، يظهر من وجه نظر “بكرلي” سوء السياسات الاقتصادية، تحديداً مع تقلبات حكم العدالة والتنمية والاتجاه نحو حكم الفرد أو العائلة، ووصول شخصيات معينة إلى مراكز القرار الاقتصادي والمالي، رأت في نفسها شخصيات فوق المحاسبة، في إشارة إلى وزير المالية السابق، وصهر الرئيس، “بيرات آلبيرق”.
وخلال تلك الفترة، يذهب “بكرلي” للتأكيد على أن البنك المركزي اتخذ خطوات كارثية فاقمت من سرعة انهيار الليرة والتضخم واستهلاك القطع الأجنبي، خاصة من جهة سعر الفائدة، مشيراً إلى أن الحكومة التركية أعلنت عن مجموعة مشاريع كقناة اسطنبول المثير للجدل ومشاريع استثمارية، إلا أنها كانت مجرد عناوين للتغطية على الوضع المتراجع ولم تكن حلولاً مباشرة.
على مستوى مواجهة وباء كورونا، يشير “بكرلي” إلى أن الحكومة التركية اتخذت قرار متناقضة تحت بند التمسك باستمرار عجلة الانتاج، فمنعت مصانع من الإغلاق، ولكن في ذات الوقت اتخذت قرارات سريعة ومتسرعة في فرض فترات حظر طويلة، معتبراً أن حاة التذبذب في قرارات الحكومة أدت إلى إرهاق الاقتصاد بشكل كامل.
العودة إلى المربع الأول
أمام تردي الحالة الاقتصادية وصعوبة إيجاد الحلول، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “عمرو عبد الدايم” أن حكومة العدالة والتنمية بدأت بمراجعة حساباتها السياسية خاصة في المنطقة العربية، مشيراً إلى ان التحركات الدبلوماسية التركية الحالية تجاه مصر والسعودية، يمكن اعتبارها محاولة للعودة إلى المربع الأول وإعادة العلاقات التركية – العربية.
يذكر أن وفداَ تركياَ زار مطلع الشهر الجاري، العاصمة المصرية، القاهرة، بهدف بحث تحسين العلاقات بين الطرفين، ومناقشة الشروط المصرية لتطبيع العلاقات مجدداً ومن بينها وقف الدعم المقدم لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى تحركات تركية باتجاه المملكة العربية السعودية.
في ذات السياق، يعتبر “عبد الدايم” أن الحكومة التركية يبدو أنها وصلت إلى قناعة بأن سياسات دعم الحركات في الداخل العربي لن تمكنها من فرض نوع معين من العلاقات على الدول العربية، وأن سوء العلاقة مع المنظومة العربية هي إحدى أبرز مشكلات الاقتصاد التركي.