هيئة التحرير- مرصد مينا
دخل سلاح أمريكا الاقتصادي “قانون قيصر” اليوم الأربعاء، حيز التنفيذ، متسبباً بأزمة اقتصادية على نظام الأسد، وقلقاً لدى قطاع واسع من رجال الأعمال والتجار اللبنانيين وغيرهم ممن يتعاملون مع النظام سوريا.
القانون الذي يعرف اختصاراً باسم “قانون قيصر” يهدف لحرمان رئيس النظام “بشار الأسد” من أي فرصة لتكريس وتعزيز بقائه في السطلة على دماء واشلاء السوريين إلى أجل غير مسمى، ناهيك عن زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
خيارات قيصر…
ووضعت الولايات المتحدة اليوم الاربعاء، رئيس النظام “بشار الأسد” أمام خيارين، إما “تسوية سياسية” أو تحمل عقوبات اقتصادية جديدة، وذلك عشية دخول عقوبات “حاسمة” حيز التنفيذ بموجب “قانون قيصر”.
السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة “كيلي كرافت” قالت امس الثلاثاء: “غدا تتخذ إدارة (الرئيس الأميركي دونالد ترمب) تدابير حاسمة لمنع نظام الأسد من الحصول على انتصار، ولإعادة النظام وحلفائه إلى العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة”.
وينصّ قانون “قيصر” ًعلى تجميد مساعدات إعادة الإعمار وفرض عقوبات على نظام الأسد وشركات متعاونة معه ما لم يحاكم مرتكبو الانتهاكات، ويستهدف القانون أيضاً كيانات روسية وإيرانية تعمل معه.
“قيصر” هو اسم مستعار لمصوّر سابق في الشرطة العسكرية السورية انشقّ عن النظام في العام 2013 حاملاً معه 55 ألف صورة تظهر التعذيب والانتهاكات في السجون السورية.
وقالت “كيلي كرافت”: “هدفنا هو حرمان “الأسد” من الدعم والعائدات التي حظي بها لارتكاب فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع، مانعا أي تسوية سياسية ومقوضا بشكل خطير فرص السلام”. مؤكدة أن “العقوبات بموجب هذا القانون تهدف إلى ردع الأطراف الذين يواصلون مساعدة وتمويل فظاعات نظام الأسد بحق السوريين، محققين ثروات”.
استنكار روسي – صيني ..
إلى جانب ذلك، أشارت السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة: إلى أن “هذه التدابير ستعلق إذا ما أوقف النظام السوري هجماته المشينة على شعبه وأحال جميع مرتكبيها على القضاء”. موضحة أن “نظام الأسد أمام خيار واضح: سلوك الطريق السياسي الذي نص عليه قرار (مجلس الأمن) 2254 أو وضع الولايات المتحدة أمام احتمال وحيد هو الاستمرار في تجميد المساعدة لإعادة الإعمار وفرض عقوبات على النظام وعرابيه الماليين”.
ورحبت بإعلان موفد الأمم المتحدة إلى سوريا “غير بيدرسن” أمس الثلاثاء، عزمه على استئناف محادثات اللجنة المكلفة مراجعة الدستور السوري في نهاية آب/أغسطس في جنيف، بعد توقف أعمالها منذ أشهر.
القانون الذي أقره الكونغرس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ينص على إجبار الحكومة على وقف قصف المدنيين الذي استمر تسع سنوات ووقف انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة على نطاق واسع.
بدورها، انتقدت روسيا والصين خطة الولايات المتحدة لفرض مزيد من العقوبات “من جانب واحد”، وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة “فاسيلي نيبينزيا ” إن “غرض واشنطن من هذه الإجراءات هو الإطاحة بالسلطات الشرعية في سوريا”. بينما أكد سفير الصين لدى الأمم المتحدة “تشانغ جون” أنه “في الوقت الذي تكافح فيه دول ضعيفة مثل سوريا جائحة كورونا، فإن فرض مزيد من العقوبات هو ببساطة غير إنساني وقد يتسبب في كوارث إضافية”.
هدف قيصر..
يهدف القانون إلى الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة السورية، لإجبار الأسد على وقف هجماته القاتلة على الشعب السوري، ودعم الانتقال السياسي في سوريا في إطار احترام حكم القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع محيطها.
ويستهدف قانون “سيزر” أي فرد أو كيان يتعامل مع سوريا بغض النظر عن جنسيته، ويركز على ثلاثة قطاعات هي (الجيش السوري وصناعة النفط والغاز المحلية وإعادة الإعمار) في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ويفرض عقوبات على أي شخص يقدم الدعم أو المساندة لها.
كما يستهدف القانون للمرة الأولى من يتعاملون مع كيانات روسية وإيرانية في سوريا، وهو ما يوجه ضربة لحلفاء “الأسد”، ويصف التشريع الجديد مصرف سوريا المركزي بأنه مصدر قلق بشأن غسيل الأموال.
وبموجب القانون، سيتم فرض عقوبات جديدة على قائمة طويلة من الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وتضم كل من “بشار الأسد وأعضاء مجلس الوزراء والمحافظين ورؤساء السجون ورؤساء الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء البلاد.
في سياق متصل، قال “إدوارد ديهنيرت” من وحدة “ذي إكونوميست” للبحوث والمعلومات: “ما يزال على الولايات المتحدة أن توضح أين وإلى أي حدّ سيتم تطبيق العقوبات، لكن من الممكن القول إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر بشكل خاص”.
وتشترط واشنطن لرفع العقوبات، وفق القانون، اجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.
وأكد “ديهنيرت”: أن “القانون يُعدّ ظاهرياً آخر محاولة في جهود الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية (…) والإطاحة بالأسد، إلا أنه يشرح في الوقت ذاته أن ذلك لن يحدث في أي وقت قريب، كون موقع الأسد حالياً مضموناً”. فهو يحظى بدعم إيران وروسيا.
وبالنتيجة، سيكتفي القانون بـ”عرقلة قدرة النظام وأزلامه على الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي ستوفرها عملية إعادة الإعمار” المكلفة.
ورجح “ديهينرت” أن واشنطن “ستنجح إلى حد ما في مساعيها، فقد صُممت العقوبات لإبقاء نظام الأسد منبوذاً، وسيكون تهديدها باتخاذ خطوات عقابية كافياً لإخافة غالبية تدفقات الاستثمارات الخارجية”.
أزمة اقتصادية..
تخضع سوريا بالفعل لعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد حظرت التعامل مع كيانات الدولة السورية وكذلك مع مئات الشركات والأفراد، لكن هذا القانون استثنائي، لارتباطه بقانون الدفاع الوطني الأميركي، ما يعني أن واشنطن توجه رسالة للنظام السوري والقوى الدولية والإقليمية “روسيا وإيران” على وجه التحديد، بأن الوضع في سوريا مقرون بالأمن القومي الأميركي.
ويتزامن كل ذلك، مع خروج المظاهرات والاحتجاجات في الأماكن التي يسيطر عليها النظام، بسبب الجوع والفقر، اذ وصل سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة وبلغ “٣٠٠٠”.
من المتوقع أن تعمل العقوبات على ثني المستثمرين عن دخول سوريا وتعميق عزلتها عن النظام المالي العالمي، اذ تقضي العقوبات على أمل روسي – سوري في بدء حملة عالمية لإعادة البناء قبل مرحلة انتقال سياسي ترضي الغرب.
ولكن القانون الجديد يعفي واردات السلع الغذائية الضرورية وغيرها من ضرورات إنسانية لكنه يشدد الفحص لمساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الأهلية لضمان عدم استفادة الحكومة السورية منها.
نظام الأسد ندد بالقانون كونه سيفاقم معاناة المدنيين في ظل اقتصاد مستنزف، بينما يرى محللون أن الخشية من القانون، حتى قبل أسبوعين من تنفيذه، ساهمت إلى حدّ كبير في الإنهيار التاريخي لليرة التي تخطى سعر صرفها خلال أيام قليلة عتبة الثلاثة آلاف مقابل الدولار في السوق الموازية.
ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ويتوقّع الباحث الاقتصادي”إدوارد ديهنيرت”: أن “تشهد البلاد نقصاً في المواد الضرورية، وبالتالي سترتفع الأسعار وسيعاني السوريون من تآكل أكبر في قدراتهم الشرائية مع تراجع في فرص العمل خصوصاً أن القدرة على استيراد السلع، وبينها المواد الغذائية والوقود، ستصبح أكثر تعقيداً”.
الدول الحليفة والمجاورة..
تستهدف العقوبات نفوذ إيران وروسيا في سوريا، في وقت تسعى الدولتان لتعزيز حضورهما في الاقتصاد وإعادة الإعمار. إلا أن النتائج قد لا تأتي على قدر آمال واشنطن نظراً لخبرة موسكو وطهران في الإلتفاف على عقوبات اعتادتا عليها.
ولا يستبعد “ديهينرت” أن يكون “للإجراءات تأثير عكسي، إذ عبر إبعاد حركة الاستثمارات التقليدية، تُقلل الولايات المتحدة من التنافس على فرص الاستثمار في سباق تتفوق فيه روسيا وإيران أساساً”.
أمّا لبنان، البلد الذي لطالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب وممراً للبضائع ومخزناً لرؤوس أموال رجال أعمالها، فقد يشهد تدهوراً أكبر في اقتصاده المنهار أساساً إذا لم تستثنه العقوبات.
ويتوقع “ديهينرت” أن تنعكس العقوبات، على عمل شركات البناء اللبنانية في السوق السوري وشركات النقل، عدا عن أن قدرة لبنان على تصدير المنتجات الزراعية عبر سوريا إلى الدول العربية ستصبح محدودة.
ويستنتج الباحث في مجموعة الأزمات الدولية “هيكو ويمان” أنّ القيام بأعمال تجارية مع سوريا “سيصبح أكثر صعوبة وخطورة، وبالتالي فإن احتمال أن يُدخل أي شخص أموالاً للاستثمار أو لأعمال تجارية سيتراجع وقد لا يكون ممكناً”.
شروط رفع العقوبات..
وحدد القانون ستة شروط لرفع العقوبات هي: وقف قصف المدنيين من قبل الطائرات الروسية والسورية، ووقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها.
إلى جانب ذلك، رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين.
واشترط القانون عودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة إرادية محترمة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام.