مرصد مينا – هيئة التحرير
موقف جديد للبطريرك الماروني في لبنان، “بشارة الراعي”، يزيد من الضغوط على حزب الله وحلفائه المسيحيين، من خلال دعوة البطريرك رئيس الجمهورية، “ميشال عون” للعمل لفك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر وضمان حياد لبنان، في إشارةٍ إلى نفوذ حزب الله.
مصدر لبناني خاص، يعتبر في حديثه مع مرصد مينا، أن موقف البطريرك يمهد لواقع مسيحي جديد أكثر تصلباً تجاه الحزب وسطوته ودعم بعض الكتل المسيحية له، لا سيما وأن “الراعي” يتحدث للمرة الأولى بهذا الشكل المباشر عن مسألة نفوذ الحزب، بعد سنوات اعتاد خلالها على مسايرته في الكثير من القضايا واتخاذ مواقف وسطية.
وكان الراعي قد تسلم رأس الكنيسة المارونية عام 2011، خلفاً للبطرك السابق، “مار نصر الله بطرس صفير”، الذي كان أكثر تشدداً ومعارضة للحزب وإيران والنظام السوري.
بداية الحشد المسيحي
تصريحات “الراعي”؛ يؤكد المصدر أنها بداية لحشد موقف مسيحي واضح تجاه سلاح الحزب، كاشفاً عن وجود دعوة ستطلقها الكنيسة خلال الفترة المقبلة، للكتل السياسية والشخصيات المسيحية المؤثرة في القرار اللبناني، للوصول إلى تشكيل جبهة مسيحية موحدة وأكثر قوة في مواجهة ما تشهده البلاد.
وكان “الراعي” قد دعا خلال عظة الأحد، إلى رفع هيمنة الحزب على مؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها مؤسسة الرئاسة، التي يشغلها التيار الوطني الحر، الذي يشكل أحد أكبر التكتلات المسيحية في لبنان، وأكبر داعمي حزب الله المسيحيين.
الدعوة إلى الحشد المسيحي وتزامنه مع تصريحات البطريرك “الراعي” الفريدة من نوعها، تعني بحسب المصدر، دخول التيار الوطني الحر في صدام مع الشارع المسيحي المشارك في الانتفاضة ضد سطوة حزب الله على الدولة، ما سيضعه أمام خيار من اثنين، إما الانصياع إلى الشارع والحاضنة الشعبية أو التمسك بالحلفاء السياسيين، الذين بدأت الأمور تخرج عن نطاق سيطرتهم، وفقاً لقول المصدر.
وتعتبر الأوساط اللبنانية، الرئيس “ميشال عون” كمرشح حزب الله في الرئاسة، حاله حال رئيس الحكومة “حسان دياب”، خاصةً وأن التيار الوطني الحر يرتبط بورقة تفاهم وتحالف مع حزب الله، منذ عام 2008.
كما يصف المصدر توجهات “الراعي” بأنها مرتبطة بإداركه لحقيقة أنه بات يمثل الطرف الأول في الدفاع عن مصالح المسيحيين في دولة يحكمها قانون المحاصصة الطائفية، مضيفاً: “خضوع الرئيس عون لقرار حزب الله خلق إحساساً لدى الكنيسة والشارع المسيحي عموماً بأن تواجدهم في الحكم ليس إلا واجهة لتشريع سيطرة حزب الله على الدولة”.
وينص اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية على توزيع الرئاسات الثلاث على أساس طائفي، بحيث يسيطر السنة على رئاسة الحكومة والشيعة على رئاسة مجلس النواب والمسيحيين على رئاسة الجمهورية”.
المسيحية بين السياسة والكنيسة
الموقف المسيحي المحتدم ضد نفوذ حزب الله لم يقتصر على الكنيسة وحدها، وإنما سبقه خلافات ومعارضة مسيحية سياسية تاريخية لسطوة وسلاح حزب الله، تجسدت بحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب المسيحيين، حيث يعتبر رئيس حزب الكتائب اللبنانية، “سامي الجميل”،أن الحكم في لبنان بات بيد حزب الله بشكل كامل، متهماً إياه صراحةً بالزج بالبلاد في صراعات إقليمية رغما عن إرادة الدولة، الأمر الذي أضر بعلاقات لبنان مع المجتمعين العربي والغربي، على حد وصفه.
ولحزب القوات اللبنانية 15 نائباً في البرلمان اللبناني، وحزب الكتائب 3 مقاعد نيابية، وهما يمثلان التيار المسيحي المعارض لحزب الله، في حين يمتلك التيار الوطني الحر الحليف للحزب، 25 مقعداً نيابياً.
الأزمة الحالية في لبنان وتفاقمها، يربطها النائب “الجميل” بسياسات حزب الله وإقحام لبنان في الصراعات الإقليمية، في إشارة إلى التحالف مع إيران ودعم نظام “بشار الأسد”، مستبعداً أي تحسن في العلاقات اللبنانية مع الدول العربي والغربية في ظل الوضع الراهن، خاصةً مع التهديدات المستمرة، التي يطلقها الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” تجاه تلك الدول.
ويتهم حزب الكتائب، حزب الله والنظام السوري، بالمسؤولية عن مقتل رئيس الحزب السابق، الوزير “بيار الجميل” الذي اغتيل بعد أشهر من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، “رفيق الحريري”، والذي يواجه الحزب أيضاً اتهاماً باغتياله.
تعقيباً على تصريحات “الجميل”، يشير المصدر إلى أن المسيحية في الكنيسة والشارع اقتنعوا بأنهم يدفعون ثمن الارتباط بمشروع طائفي لا يمت لهم بصلة، وأن البلاد محكومة من حزب مصنف على قوائم الإرهاب العالمية، مشدداً على أن موقف “الراعي” سيدعم بشكل كبير مواقف الأحزاب المسيحية المعارضة لحزب الله ويضع الأحزاب الموالية له في موقف أكثر ضعفاً، خاصةً وأن خطاب المقاومة والممانعة لا يقابل بكثير من التصديق والموثوقية لدى المسيحيين كما هو حاله لدى الشارع الشيعي، المرتبط طائفياً بالحزب.
الطائفية وسلاح ذو حدين
تطورات المواقف الدينية اللبنانية حيال حزب الله وسلاحه، لن تقف عن حد الكنيسة المارونية، بحسب ما يقوله المصدر، مشدداً على أن الفترة القادمة ستشهد مواقف من شخصيات دينية إسلامية بما فيها شخصيات شيعية، مشابهة لموقف “الراعي”، ما سيزيدمن الضغطعلى الحزب وكافة الأحزاب الموالية له داخل البرلمان.
وسبق للمفتي الجعفري الشيعي في لبنان، “أحمد قبلان”، والمحسوب على حزب الله، أن دعا إلى صيغة جديدة لحكم البلاد بعيدة عن المحاصصة وقيام لبنان جديد على أساس المواطنة وليس على أساس طائفي.
كما يذهب المصدر إلى التذكير بقضية رجل الدين الشيعي المعارض لحزب الله، “علي الأمين” ، وتفاعلاتها، التي أظهرت تراجعاً للحزب حتى داخل الشارع الشيعي، موضحاً: “حالة التضامن والدعم التي حصل عليها الأمين تؤكد أن خطاب حزب الله المقاوم والطائفي بدأ يفقد بريقه حتى في آذان مواليه، الذين بدورهم يمثلون جزءاً من ضحايا سياسات الحزب، في ظل الأزمة الحالية، وهنا يمكن القول صراحةً بأن سلاح الطائفية الذي اعتمد عليه نصر الله في كسب ولاء الشارع المؤيد له في كل الأديان والطوائف تحول إلى سلاح ذو حدين”.
وكان آلاف اللبنانيين قد أعربوا عن دعمهم وتأييدهم “للأمين” بعد أن وجه له القضاء اللبناني تهماً بالعمالة لإسرائيل، وسط اتهامات لحزب الله بمحاولة تصفيته سياسياً من خلال تلك القضية.
كما شهدت الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الرئيسي للحزب، خلال السنوات القليلة الماضية، سلسلة تظاهرات احتجاجاً على الأوضاع المعيشية السيئة وارتفاع عدد قتلى الحزب في سوريا، مطالبين بوقف التدخلات وإرسال الشباب للقتال إلى جانب النظام، بالإضافة إلى مطالبتهم بوقف عمليات استغلال قادة الحزب للنساء لمنحهم المساعدات المالية.
تزامناً مع رهانات المصدر، يؤكد المحلل السياسي، “منير الربيع”، أن حزب الله يتوقع تصاعد الضغوط السياسية عليه وأنه بطبيعة الحال وضع خطة لمواجهة تلك الضغوط، مشيراً إلى أن الحزب لن يخاطر بفقدان سيطرته على الرئاسات الثلاث في لبنان والمكتسبات غير المسبوقة، التي حققها مؤخراً.
حلفاء يتقاسمون الضغوط
على الرغم من استعدادات الحزب لمواجهة المزيد من الضغوط السياسية والدينية والاقتصادية، إلا أن “الربيع” يؤكد بأن آثار تلك الضغوطات ستكون أكبر بالنسبة لحلفائه، وتحديداً في التيار الوطني الحر، الساعي لتوريث رئيسه الحالي، “جبران باسيل” كرسي الرئاسة اللبنانية من سلفه والرئيس الحالي، “ميشال عون”، موضحاً: “عون وباسيل لا يزالانيعتبران أن حزب الله إلى جانبهما وفي جيبهما، وربما هما مدركان أنهما سيصلان إلى مفترق أساسي، يستحيل معه استمرارهما في اللعب على الحبلين، وضرورة اختيارهما في أي خندق سيقفان”.
وكان حليف حزب الله، رئيس تيار المردة، “سليمان فرنجية”، قد اتهم “عون” و”باسيل” بالسعي للسيطرة على القرار المسيحي، والعمل على توريث كرسي الرئاسة من “عون” إلى صهره، الذي خلفه في رئاسة التيار الوطني الحر.
إلى جانب ذلك، يوضح “الربيع” أن حزب الله يدرك تماماً أن المشروع الأساسي لدى رئيس الجمهورية هو إيصال صهره إلى كرسي رئاسة الجمهورية، وأنه يعلم أيضاً أن الرجلين يتعرضان إلى ضغوط أميركية انطلاقاً من هذه الزاوية، وبسبب علاقتهما الحسنة بالحزب وتعاونهما معه، إلى جانب أن قيادات حزب الله ثالثاً على قناعة تامة بأنه “باسيل” يبحث عن فرص لتحسين علاقته بالأميركيين.
ويبقى السؤال المهم المطروح من وجهة نظر “الربيع” يدور حول أي خندق سيختاره ثنائي “عون-باسيل”، خندق حزب الله أم في الخندق الأميركي؟، في إشارة إلى أهمية موقف التيار في قضية الموقف المسيحي من سلاح حزب الله.