زاوية مينا
على الدوام، ما يجمع السوريين نظام ومعارضة، هو أن بينهما من يعرف كيف يبدأ ولا يعرف إلى أين ينتهي، وتلك معضلة حوّلت سوريا إلى بلد خرب ليس من السهل أو المتيسر إعادة إعماره، فلا السلطة ما بعد عقد من الصراع الدموي تعرف إلى أين ستنتهي وما شكل النهاية التي ترسمها، ولا المعارضة تعرف أي جدار سترفع لتتكئ على جدارها.
عرفت السلطة أن تذهب بعيداً في التحالف، بل والأصح الارتهان للايراني وللروسي، وها هي اليوم لاتعرف نهاية لهذا الارتهان أو أيّ من شروط ديمومته لتستمر ديمومتها.
ولا المعارضة تعرف كيف ستكون علاقاتها مع الدول الداعمة لها، فيما عرفت بداية كيف تطلق تبعيتها لهذه السفارة أو تلك ولهذا الممول أو ذاك، أما عن نهاية التحالف أو التبعية فمتروكة لأقدار وخياراات الداعم، وهاهو الداعم يتخلّى عنها ليبيعها وبأسعار لابد هزيلة بلغة السوق ولغة الأوطان كما بلغة التغيير المأمول لبلد كلما اشتغل على تغيير نفسه ارتد إلى نقطة البداية، ومع إضافة “لابداية ثانية في الحدث التاريخي” الذي لا يكرّر نفسه كما يدّعي محترفو التاريخ وكهنته.
هي الحكاية هكذا، ومن بعد “هكذا” تتحول اللحظة إلى العطالة التي تعني الكرة الملساء المتدحرجة على الزجاج الاملس، والسويداء اليوم واحدة من الحالات التي تعيد رسم الحالة السابقة عليها ما بعد سنة من التظاهر والساحة، دون القدرة الجدية على نقد التجربة بما يسمح بمراجعة التجربة لتتجاوز منغصّاتها، ومع الأخذ بعين الرضى والاحترام مجموع إنجازات ليس من الأخلاقي ولا العقلاني غض النظر عنها، ومن إنجازاتها:
ـ اولاً أنها أسقطت مقولة النظام التي قسمت سوريا إلى أقليات موالية واكثرية على خطوط الموت والمواجهة.
ـ ثانياً: أخرجت السلطة بمؤسساتها الأمنية والعسكرية من السويداء وصولا لإغلاق مكاتب حزبها.
ـ ثالثاً: قدّمت نموذجاً لحراك مدني سلمي بالغ المتعة والروعة.
وكل الثالوث السابق لا يمنع من القول أنها عرفت كيف تبدأ ولم تعرف إلى أين ستنتهي، فـ :
ـ لا استطاعت أن تقدّم نموذجها لإدارة المنطقة “المحررة من النظام”، بمعنى إدارة حياة الناس بدءاً من الخبز وصولاً لمؤسسة قضائية تمنع الفوضى وتشكّل رافعة نحو مستقبل العدالة.
ـ ما استطاعت أن تشكل مؤتمراً وطنياً جامعاً يحدد شكل تحالفاتها مع القوى والمعارضات الوطنية المتواجدة في الساحات الأخرى.
ـ عجزت حتى اللحظة عن تحديد ظهيرها الدولي الذي قد يمذ اليد لمساعدتها.
ـ لم تفلح حتى اللحظة في التوافق على قيادة تجمع بدل أن تفرّق.
وهكذا أضاعت فرصتها في أن تتحوّل إلى رافعة للمعارضات السورية الأخرى، وفوق هذا وذاك عن “نقد التجربة” بما يسمح بتحويلها إلى “نموذج” بديلاً عن إبقائها في مساحة الحركات الاحتجاجية.. الاحتجاجية فقط، ما يعني أخذ دورها بدلالة خصمها.
هي الحالة السورية التي:
ـ تعرف كيف تبدأ ولا تعرف إلى أين ستنتهي.