
مرصد مينا
أشارت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية في تقرير نشرته السبت إلى أن التقييمات السياسية والأمنية في تل أبيب لا تعتبر وقف إطلاق النار الأخير مع إيران، الذي تم بوساطة أميركية، نهاية للصراع، بل بداية لمرحلة جديدة أكثر تعقيداً وخطورة.
بحسب المراسلة السياسية للصحيفة، آنا براسكي، فإن السؤال لم يعد ما إذا كان القتال سيُستأنف، بل متى وأين ستكون الجولة التالية.
وأكدت أن أجواء الهدوء الحالية لا تعني انتهاء المواجهة، بل تمثل استراحة مؤقتة ضمن صراع طويل الأمد، في ظل استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي، الذي تراه إسرائيل تهديداً استراتيجياً.
في هذا السياق، نقلت الصحيفة عن رئيس جهاز الموساد، ديفيد برنياع، قوله بعد يوم ونصف من سريان وقف إطلاق النار: “سنواصل مراقبة جميع المشاريع في إيران، والتي نعرفها بعمق، وسنكون هناك كما كنا حتى الآن”، في تصريح فُسر إسرائيلياً على أنه مؤشر على هشاشة الهدنة واستعداد للمواجهة القادمة.
تؤكد الصحيفة أن وقف إطلاق النار لم يكن نتيجة تسوية استراتيجية، بل جاء نتيجة توازن مؤقت في المصالح. فقد حققت إسرائيل ما تعتبره “إنجازاً تكتيكياً” عبر تدمير منشآت نووية وقواعد عسكرية إيرانية، بينما امتنعت إيران عن التصعيد المباشر تجنباً لمواجهة مفتوحة مع سلاح الجو الأميركي، الذي نفذ غارات على منشآت في فوردو وأصفهان ونطنز.
توضح الصحيفة أن الاتفاق الذي جرى بوساطة أميركية لا يتضمن أي آليات رقابية أو قنوات اتصال دائمة، ولا ينص على التزامات واضحة بشأن وقف البرنامج النووي الإيراني أو برامج الصواريخ بعيدة المدى.
وترى براسكي أن هذا الوضع قابل للاشتعال في أي لحظة، سواء من خلال صاروخ يُطلق من لبنان، أو طائرة مسيرة تُرسل من اليمن، أو حتى عبر هجوم ينسب إلى إسرائيل داخل الأراضي السورية.
وترجح التقديرات الأمنية الإسرائيلية دخول المنطقة في نمط جديد من الصراع، يتمثل بجولات عسكرية قصيرة وعنيفة تتكرر كل بضعة أشهر في مناطق متعددة مثل لبنان وسوريا والخليج، مما يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر، ويستدعي تدخلاً أميركياً مستمراً لاحتواء التصعيد ومنع انزلاقه إلى حرب شاملة.
وفي ظل غياب حل دبلوماسي واضح، ترى الصحيفة أن التوتر وعدم الثقة بين الطرفين، إضافة إلى استمرار الغموض حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، يجعل من فرص التهدئة الدائمة شبه معدومة، حتى في حال دخول أطراف دولية مثل روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو بعض دول الخليج على خط الوساطة.
من الجانب الأميركي، تشير الصحيفة إلى أن واشنطن ستبقى حاضرة في المشهد انطلاقاً من مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وخاصة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي تبنى مواقف متناقضة خلال الأزمة. فقد أعلن إنهاء العمليات العسكرية، ثم عاد ليؤكد جاهزية الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جديدة إذا لزم الأمر.
لكن، وعلى الرغم من خطابه المتشدد، تعتقد تل أبيب أن موقف ترامب يعكس نوعاً من “الضعف الإستراتيجي”، إذ أن الكونغرس الأميركي لا يضمن دعمه لأي حملة عسكرية واسعة، والمجتمع الأميركي بات أكثر تحفظاً تجاه التورط العسكري في الشرق الأوسط.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا التردد الأميركي قد يضع إسرائيل أمام معضلة صعبة، إذا قررت توجيه ضربة استباقية جديدة ضد إيران.
كما لفتت الصحيفة إلى أن التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب بعد إعلان وقف إطلاق النار والتي تضمنت طلباً غير مباشر من الحكومة الإسرائيلية بإلغاء محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باعتبار ذلك جزءاً من الثمن السياسي لدعم واشنطن، وفق ما وصفته المراسلة بأنه “منطق الولاء السياسي الكامل”، خاصة في ملفات حساسة مثل الملف الفلسطيني والاتفاق النووي الإيراني.
وفي سياق متصل، تطرح الصحيفة تساؤلات حول حقيقة الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، حيث يوجد تضارب بين إعلان البيت الأبيض الذي وصف الضربات بأنها دمرت البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وبين تقارير استخباراتية -سربتها شبكة CNN- تفيد بأن الأضرار الفعلية لم تتجاوز تأخير المشروع لبضعة أشهر.
وتختتم براسكي تقريرها بالإشارة إلى أن التعامل الأميركي مع الأزمة اتخذ طابعاً استعراضياُ أقرب إلى “صناعة الترفيه”، وفق تعبيرها، حيث أدار ترامب الموقف وكأنه موسم درامي من مسلسل تلفزيوني، مع ضربات مفاجئة ثم إعلان هدنة مفاجئ أيضاً، بل وُصفت هذه الجولة في البيت الأبيض بـ”حرب الـ 12 يوماً”.
لكن الواقع -وفقاً للتقرير- يُظهر أن الاشتباكات استمرت فعلياً رغم إعلان وقف النار، ما يعزز فرضية أن المواجهة المقبلة ليست إلا مسألة وقت.