مرصد مينا
مع آخر أيام الحبيب بورقيبة، وكانت الشيخوخة قد نالت من جسده فيما استولى زين العابدين بن علي على سلطته، حجر عليه زين في قصر رئاسي مهجور، ومع الحجر خصص له إذاعة لا تذيع سوى له ولا يسمعها سواه، وكانت الإذاعة متخصصة لبث رسائل التأييد للحبيب كما إشادات زعماء العالم بشخصه، وكله :
رسائل التأييد مفبركة، وزعماء العالم في غفلة عن ما ينسب إليهم، ما جعل بورقيبة سعيداً بزعامته، ومتيقناً أنه “إلى الأبد”.
الخرف زائد الوهم زائد البطولات الزائفة مجتمعة تسهّل الخديعة، واليوم يبدو أن ست الحسن قد أحاطت السيد الرئيس بما أحاط زين العابدين معلّمه لـ “يدحشه” بالفقاعة بحيث لا يخرج منها.
المقارنة ما بين الحبيب بورقيبة مع بشار الأسد، تُهين الأول، ولا يستحقها الثاني، غير أنهما وعلى اختلاف اوزانهما، الأول انتهى إلى “الفقاعة” والثاني ابتدأ من “الفقاعة” وولد فيها.
لا تستغرب إن كان ثمة قناة تلفزيونية تبث لبشار وحده.. هو مشاهدها الوحيد، وضيفها الوحيد، وعارض الأزياء الوحيد على شاشتها.
ولا تستبعد أن يكون:
ـ مطربها الشعبي.
ست الحسن برمجته على أنه “سوبر ستار”.
ما شهدته الصين ألا يؤكد هذا؟
في زيارته للصين، اشتغل على الصورة، الصورة التي لا تعني شيئاً، فمدارس الصين لابد وستحتفل بعرق يختلف عن عرقها الآسيوي، والحكومة الصينية قادرة كما حال الحكومة السورية ما قبل الثورة، لابد قادرة على حشد مجموعات من أطفال المدارس وهم يحملون الدباديب ترحيباً بالضيف وزوجته، غير أنه حين يكون ثمة قرارات سياسية وعلى المستوى الاستراتيجي الأبعد، فلابد للصينيين من قراءة الحكمة الصينية التي تقول:
ـ التصنيع في الصين والتجميع في دمشق.
وحين يقول الصينيون ذلك فحتماً سيصححون المثل الصيني بالقول:
ـ التصنيع في طهران والتجميع في دمشق.
أو يقولون:
ـ التصنيع بيد سيّدة القصر والتجميع في بشار.
وكذلك قد يقولون:
ـ التجميع في مافيات المخدرات والتجميع في بشار.
ويوم يقولون ذلك لابد ويعتمدون على حقيقة أن الرئيس السوري هو آخر من يحق له رسم ملامح سوريا المقبلة فالقرار ليس بيده، وهو مجرّد من أيّ قرار بما في ذلك القرارات المحيطة بدائرته الصغيرة، فالفرقة الرابعة هي النظام، والشقيق ماهر صاحب اليد الأطول فيه، أما أجهزة الاستخبارات فلابد وأنها “تجميع” سوري أما ارتباطاتها فهي أوسع بما لا يقاس من حدودها السورية، فلكل منها تبعيته لدولة ما، الروسي منها والإيراني، وليس مستبعداً أن يكون بعضها من التصنيع الأمريكي أو البريطاني ومن ثم التجميع السوري، وهكذا فبشار الأسد شخصياً لابد وسيكون مغيّباً عن المشهد وعن إدارة البلد، وقد اكتفى باستعراض الحضور والإكثار من الصور التذكارية ليعثر على حضور وهمي.
تلك حقيقة يعرفها المحيطون بالرئيس، والأقرب إليه، وهم من فئة البشر الذين يعفون الرئيس من أيّة مسؤولية فيما آلت البلاد إليه أقله بالقول:
ـ الرئيس “مليح” لكنه محاط بالسافلين.
لا.. ليس الرئيس “مليح”.. الرئيس غائب، بل ومستطيب الغياب، ولهذا فلابد أن يتحوّل إلى “الحبيب بورقيبة” في نهاياته.
الحبيب بورقيبة مع الفارق الشاسع ما بينه وبين بورقيبة:
ـ فالأول بطل تحرير تونس، والثاني بطل خراب البلاد.
والمآل واحد.