نبيل الملحم
مع المجازفة بوضعك الصحي، وتقبّل المزيد من الغثيان، بوسعك الاستماع إلى مداخلات أنصار النظام في سوريا، وهم يرددون لغة ربما تجاوزها الزمن أيّ زمن، بمن فيه زمن هستيريا الشعارات، تلك التي رافقت حافظ الأسد على مدى ثلاثين عاماً، ليرثها الابن إلى ما يزيد عن عشرين عام.. لغة تحيل كل خيبات النظام وكل جرائم النظام وكل الإعاقات التي مارسها على حياة السوريين إلى:
ـ المؤامرة.
وبلغة التجديد:
ـ إلى الحرب الكونية على النظام.
وفي لحظة ما، إلى العمالة مع إسرائيل.
وهي اللغة القاصرة، لعقل قاصر، وإرادة قاصرة، بل وضمير منكوب.
المؤامرة، وهي الموهبة الحصرية بالنظام، نبتت منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة عبر “المؤامرة”، ولو لم يكن الامر كذلك، لما انتهى رفاق حافظ مجتمعين إلى زنازن سجن المزة، مقتولين، وهو ما استتبعه بـ “المؤامرة” على مجمل الحركات الوطنية والثورية من اقصى يسارها إلى يمينها بعد أن اتخذ مكان “الفندق” لمجموع حركات وشخصيات تحررية انتهت بتسليمهم إلى قاتلهم بدءاً من آغوب آغوبيان إلى كارلوس مروراً بمرتضى بوتو وعشرات الشخصيات من حركات التحرر العالمي ليسلّمها إلى قاتلها أيضاً في لعبة المقايضات الاستخبارية التي لم تخل من أصابع إسرائيل، هذا عداك عن امتداداته باتجاه حركة التحرير الوطنية الفلسطينية وقد اغرقها بالانشقاقات والاغتيالات، لتنتهي منظمة التحرير إلى شظايا ومن ثم لتحلّ محلها منظمات مسخ، بطلها ولسان حالها احمد جبريل، فيما امتدت يده إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان لينكّل بها حتى بدت “صبرا وشاتيلا” مجرد “بروقا” لتل الزعتر الذي رجمه بالصواريخ، ومن ثم ليستدير إلى تصفية الشخصيات الوطنية اللبنانية بدءاً بكمال جنبلاط، وليس انتهاء بجورج حاوي والمفتي حسن خالد، ومن ثم ليرث وارثه المؤامرة إياها ويتابع إرث أبيه في تصفية الشخصيات والتيارات الوطنية، والسجون السورية كفيلة بتقديم شهادتها، وشهادتها لابد وتقول أنه مارس اقصى أشكال التنكيل بالشخصيات الوطنية الجامعة، والتي لابد وتشكّل في مسيرتها ضميراً وطنياً، هو إرث سوريا المأمولة، وهذا مصير عبد العزيز الخيّر يشهد على ما آلت إليه هذه الشخصيات.
واليوم، وبعد عقد من التنكيل بالسوريين، تنكيلاّ طال الدماء والأرزاق، يعود للغة التخوين إياها مستثمراً بإسرائيل، كما لو أن ضحايا ميليشياته وعصاباته يوردون من البئر الإسرائيلي، دون إجراء أية مراجعة وبالمزيد من الصلافة والإنكار مع أن حسبة بسيطة لابد وتجيبنا عن سؤال:
ـ من يشتغل لخدمة إسرائيل؟ّ
ثلاثة حروب كبرى شنتها إسرائيل على سوريا عدا الضربات الخاطفة.. ما الذي احدثته حروب إسرائيل من خراب في سوريا، وأي خراب أحدثته يساوي حرب النظام على المدن والارياف السورية والتي وصل بها الخراب إلى ما يزيد عن أي خراب يمكن للقنابل النووية أن تصنعه من خراب؟
كم حرب خاض النظام بمواجهة إسرائيل، سوى حربه الأولى والتي سلّم بها الراحل الأب الجولان، كل الجولان للإسرائيليين وتحت بغتة أوامر “الانسحاب الكيفي”، وهي الأوامر التي اهانت جيشاً كان بوسعه أن يكون جيش الناس، كل الناس، لا جيش النظام والعائلة بمواجهة الناس وهدر دم الناس.
ـ أي خدمة لإسرائيل تساوي نهب موارد البلاد، وتحويلها من بلاد الحرير والبروكار.. إلى بلاد التمزق والأسمال؟
ـ وأي خدمة لإسرائيل تساوي رهن البلد للروسي والإيراني، ولخمسة احتلالات كبرى، عداك عن الميليشيات؟
ـ أي خدمة لإسرائيل تساوي إخراج الجيش من ثكناته إلى تدمير المشافي والمساجد والجامعات، فيما يتجول الطيران الإسرائيلي في سماء دمشق كما لو أنه يلاعب الكرنفال؟
لغة قاصرة بضمير قاصر وعقل قاصر.
هذا ما تبقّى لنظام هو العصابة التي لم يعد بوسع أحد سماعها، بمن فيها أولئك المجازفين بصحتهم والذين لابد ويصيبهم سماعها بالغثيان.