تل ابيب / واشنطن: المنعطف

الصحافة الإسرائيلية تحذر من نقطة الانعطاف، أيّ انعطاف تعني؟

هاآرتس هي من حذرت، وهي الصحيفة التي “لاتنطق عن هوى”، أما الانعطاف فسيطال العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وهو مالم يخطر يومًا على بال أيّ من العرب، فوفق الصحيفة فإذا “نظرنا / والكلام لهاآرتس/ إلى مسار  هذه العلاقات وديناميكيتها في السنوات الأخيرة، فسنتوصل إلى الاستنتاج بأنهما يقتربان من نقطة الانعطاف. هذا لا يحدث حول إيران أو حول سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، بل حول الصمغ الذي يثبت العلاقات منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، نفس نظرية القيم المشتركة”.

تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتحالف الذي عمره بينهما 50 سنة تقريباً، هما بدرجة كبيرة قصة هندسة مقلوبة: فقد تم وضع إطار العلاقات الاستراتيجية في الفترة بين نهاية الستينيات وحتى السنوات التي أعقبت حرب يوم اكتوبر، في سياق الحرب الباردة، وصد الاتحاد السوفيتي وعلاقات السيد – الزبون الأمنية. بعد ذلك، كتبت رواية كاملة بأثر رجعي عن بنية أساسية قيمية وأيديولوجية”.

ستتابع ها آرتس مركزة على “منظومة القيم فـ” الرئيس هاري ترومان والرئيس دوايت آيزنهاور، اللذان توليا الرئاسة منذ بداية الدولة وحتى العام 1961، رفضا الالتقاء مع أي رئيس حكومة إسرائيلية. اللقاء الأول الذي تم عقده بين جون كنيدي ودافيد بن غوريون في أيار 1961 كان في فندق في نيويورك وليس في البيت الأبيض في واشنطن. وفي فترة ولاية لندن جونسون (1963 – 1969) بدأت العلاقات تستقر وبدأ الصعود إلى المسار الذي سيقود إلى تأسيس تحالف”.

هي لمحة تاريخية موجزة، وضرورية، أما استكمالها كما شاءت “ها آرتس” فيأتي “بعد حرب حزيران ١٩٦٧، وبشكل خاص عند ترسيخ المساعدات العسكرية لإسرائيل التي أسسها ريتشارد نيكسون بعد حرب يوم الغفران، كتبت مقدمة لفصل جديد”.

ـ ما الذي يحدث اليوم؟

ما يحدث تقرأه ها آرتس على النحو التالي:”الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل عام ديمقراطيات – أخوات. دولتان قامتا بتحد للتاريخ وخلافاً لمجراه. مجتمعان طمحا في أن يكونا نموذجاً لمجتمع جديد: الولايات المتحدة هي “المدينة البراقة الموجودة فوق التلة” وإسرائيل هي “النور للأغيار”. مجتمعان من المهاجرين أسسا دولتين لإصلاح أخطاء تاريخية واستندا إلى قيم الكتاب المقدس المشتركة”.

هذا ما تراه “ها آرتس” فما الذي تغير؟

ما تغير “مسائل مثل المناطق والدين والدولة كانت الثغرة الأولى في هذه العلاقات، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل تمكنتا من تغطيتها بالوحل حتى عندما توسعت. تغير الوضع عندما انحرف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بسلسلة من الخطوات المتعمدة، عن مبدأ “إسرائيل موضوع للدعم من قبل الحزبين”، ولن تكون إسرائيل في أي يوم موضوعاً مقسماً سياسياً. وبدأ هذا بمغازلة الإفنغليين في سنوات ولاية كلينتون، واستمر في ابتعاد فظ عن الحزب الديمقراطي، الذي يصوت له 75 في المئة من يهود الولايات المتحدة. وسجل رقم قياسي آخر في خطابه الذي ألقاه في الكونغرس في 2015 ضد الاتفاق النووي مع إيران، وهو الخطاب الذي خُطط له من وراء ظهر الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، ووصل حتى إلى الإعلان عن حبه لدونالد ترامب. ورغم التهذيب الكبير الذي تظهره الإدارة الأمريكية منذ قيامها، إلا أن تشكيلة الحكومة الجديدة ونواياها تقلق الولايات المتحدة جداً”.

في نظر واشنطن / وثانية الكلام لها آرتس/  إسرائيل في عملية تراجع عن الديمقراطية الليبرالية نحو الاستبداد الذي يتم فيه خرق غير صحيح للتوازن بين السلطات. في حين أن الولايات المتحدة حتى لو كان بشكل مؤقت، تحاول إصلاح المسار بعد سنوات ترامب والترامبية. اختارت إسرائيل اتجاهاً معاكساً. ليس هذا موضوع “فقرة الاستقواء” أو إجراءات تعيين القضاة أو إعادة التوازن بين السلطات؛ فالولايات المتحدة لم تتدخل ولن تتدخل في هذه الأمور. الحديث يدور عن عملية كاملة تتابعها واشنطن بدهشة، وتشمل تشكيل ائتلاف حكومة نتنياهو والخطوط الأساسية لحكومته، وتصريحات حول سياسة الاستيطان والتفوق اليهودي، وتقليص كبير في الانتقاد الدستوري للمحكمة العليا. وقد أعلن عنوان في صحيفة “التايم” قبل أسبوعين بأن “الديمقراطية في إسرائيل لن تبقى بعد حكومة نتنياهو”.
في مقال لهيئة التحرير، غريب بدرجة الإهمال، تساءلت صحيفة “وول ستريت جورنال”:

ـ من الذي يهدد الديمقراطية في إسرائيل؟ وأجابت هي نفسها.

لتبرهن على هذا ذهبت “ها آرتس” لـ “نيويورك تايمز”، لتنقل فقرات من مقال نقد لاذع لكاتب الأعمدة توماس فريدمان فقد كتب فريدمان: “الرئيس الأمريكي بايدن هو الوحيد الذي يمكنه وقف نتنياهو وائتلافه المتطرف عن تحويل إسرائيل إلى حصن غير ليبرالي ومتعصب، الذي كثير من الوزراء فيه يظهرون العداء لقيم الولايات المتحدة”.
إسرائيل ليست موضوعاً تريد إدارة بايدن الانشغال فيه. من المثالية بالنسبة لهم، ألا يسمعوا السماع عن إسرائيل حتى الانتخابات الأمريكية القادمة في تشرين الثاني 2024. ولكن حكومة نتنياهو تفرض نفسها على جدول الأعمال، سواء في الساحة الدبلوماسية، القانونية الدولية، أو بسيناريوهات تصعيد في “المناطق” أو حتى مع إيران.

السؤال المطروح الآن هو: هل ستواصل الولايات المتحدة التجاهل أم ستضع إشارات ضوئية واضحة لنتنياهو؟

Exit mobile version