تنظيف الهرم من الأسفل.. سياسة الكاظمي في تطهير الأجهزة الأمنية

مرصد مينا – هيئة التحرير

إصدار نتائج التحقيق في قتل المتظاهرين العراقيين، واعتراف الداخلية العراقية للمرة الأولى بمسؤولية أفرادها عن عمليات القتل، خطوة أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط العراقية، بين من يراها إجراء لكسب المزيد من المصداقية بالنسبة للحكومة وبين من وصفها خطوة يسعى من خلالها رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، للمضي أكثر في عملية تطهير الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية من العناصر والقادة التابعين للنفوذ الإيراني.

وكانت الحكومة قد أقرت أمس، الخميس، بأن لجنة التحقيق الخاصة بمقتل المتظاهرين في بغداد وعدد من المدن العراقية، خلال الأيام القليلة الماضية، توصلت إلى اتهام بعض العناصر الأمنية بقتل المتظاهرين ببنادق صيد، لافتةً إلى أن ذلك تم بمباركة من قادتهم المباشرين.

أمام ذلك الجدال، يؤكد المحلل السياسي، “محمد الدليمي” لمرصد مينا، أن نتائج التحقيق ستمنح رئيس الحكومة فرصة للتخلص من الكثير من القيادات الأمنية العراقية، سواء من خلال الاعتقال المباشر أو الإقالة من الخدمة.

تنظيف الهرم من الأسفل

على الرغم من أن الحكومة حتى الآن، لم تقصي أي مسؤول أمني كبير، واقتصرت إجراءاتها على عناصر صغيرة في الداخلية، إلا أن “الدليمي” يشدد على أنها خطوات هامة جداً على طريق التخلص من التوغل الإيراني في مفاصل الحكومة العراقية، مضيفاً: “يبدو أن الكاظمي قرر تنظيف الهرم الأمني من الأسفل وصولاً إلى الأعلى، لا سيما وأن كبار القادة الأمنيين الموالين لإيران يستمدون قوتهم من ولاء العناصر الصغيرة في الوزارة والقطع الأمنية”.

وكان وزير الداخلية العراقي، “عثمان الغانمي”، قد أعلن الخميس، اعتقال عناصر تابعة لقوات الأمن بتهمة إطلاق النار على مواطنين شاركوا في مظاهرات في ساحة التحرير قبل أيام.

امتداد التحقيقات لتصل إلى كافة عمليات قتل واغتيال الناشطين المعارضين، التي شهدها العراق منذ تشرين الأول الماضي، يرى فيه “الدليمي” مؤشراً ودليلاً قوياً على سعيه لاستغلال ما ستنتجه تلك التحقيقات، لطرد أكبر عدد ممكن من عناصر الأمن الموالين لإيران، وهو ما يؤيده الباحث في شؤون الميليشيات، “صلاح المطلق”، لافتاً إلى أن التحقيق في مقتل ما يزيد عن 550 متظاهر سيكون كفيلاً بالتخلص من مئات العناصر ويزجهم في السجن، الأمر الذي يسهل لاحقاً عملية التخلص من القيادات الكبرى، التي ستفقد بحسب قوله، قوتها على الأرض.

إلى جانب ذلك، يذهب “المطلق” إلى التأكيد على أن نجاح خطة “الكاظمي” في الحد من نفوذ  إيران وميليشياتها في العراق، يرتبط بقدرته بالدرجة الاولى على تطهير أجهزة الدولة وتحديداً الأمنية والعسكرية من الوجود الإيراني، مشيراً إلى أن الإطاحة بتلك العناصر والقيادات سيمنع الطابع الشخصي عن المعركة بين “الكاظمي” والميليشيات ويحولها إلى معركة بين الدولة العراقية والميليشيات، ما يكسبها تأييداً دولياً وشعبياً أوسع، ويمنع وجود ما يمكن وصفه بالطابور الخامس داخل الحكومة.

وكان “الكاظمي” قد تعهد بعيد إعلان النتائج، عن مواصلة التحقيقات في كافة عمليات القتل التي طالت المتظاهرين، وسط تصاعد الاتهامات الدولية والمحلية لإيران وميليشياتها بالمسؤولية المباشرة عن استهداف المتظاهرين وتنفيذ اعتقالات واغتيالات بحق الناشطين العراقيين.

رهان الجيش والقوى الأمنية

السؤال الأبرز، الذي يطرح حالياً في العراق على لسان المحللين والمتابعين على حد سواء، لماذا يبدء “الكاظمي” بالأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو ما يجيب عليه “المطلق” بأن دولة كما العراق، تدار منذ سنوات طويلة بمفهوم الميليشيات وانتشار فوضى السلاح، تكون الكلمة الأقوى فيه للطرف الذي يملك الكم الأكبر من العناصر والعتاد والتسليح، موضحاً: “الكاظمي يدرك تماماً أن التأييد السياسي أو السيطرة الحكومية وحتى التأييد الشعبي في العراق لا تعني شيء أمام قوة تسليح الميليشيات، وبالتالي فإنه يسعى لإنشاء وتشكيل قوته العسكرية والأمنية الحكومية الخاصة، والتي توالي فكرته ومخططه حيال النفوذ الإيراني وضرورة الحد منه”.

وسبق “للكاظمي” أن أقال رئيس هيئة الحشد الشعبي الموالي لإيران، “فالح الفياض” من منصبي مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، وعين بدلاً منه، الضابط في الجيش العراقي السابق، “عبد الغني الأسدي” رئيساً للاستخبارات و”قاسم الأعرجي” مستشاراً للأمن الوطني، بالإضافة إلى إصداره قراراً بإعادة الفريق “عبد الوهاب الساعدي” مديراً لجهاز مكافحة الإرهاب، وهي الشخصيات الثلاث المرفوضة  من قبل الميليشيات.

الحديث عن شكل ومستقبل المؤسسات الأمنية العراقية، يربطه الخبير الأمني “موفق العبادي” بحملة إقالات كبيرة لمناصب عليا في الجيش والأمن خلال الفترة القريبة القادمة، معتبراً أن فرض الدولة سيادتها على الجيش والأمن سيمكن “الكاظمي” لاحقاً من اتخاذ إجراءات أكثر صلابة وتشدد تجاه الميليشيات، دون القلق من أي ردود فعل منها، خاصةً وأن التأييد الشعبي “للكاظمي” ظهر بشكل مباشر وواضح بعد اقتحام مقار حزب الله العراقي في البصرة واعتقال خلية مكونة من 13 عنصراً، في تحول هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام “صدام حسين”، عام 2003.

بين البعثيين والعلمانيين

انتماء “الكاظمي” إلى المؤسسة الأمنية وبعده عن الخلفية الطائفي، تقوده إلى الاعتماد خلال الفترة القادمة على الضباط البعثيين السابقين والعلمانيين، وفقاً لما يراه الخبير الأمني “العبادي”، خاصةً وأن الطرفين يمثلان ألد الأعداء لإيران، لافتاً إلى أن وجود دور للبعثيين في مستقبل العراق، ظهر من خلال تعيين “الأسدي” رئيساً للاستخبارات.

ويعتبر “الأسدي” أحد ضباط البعثيين، الذين شاركوا في الحرب العراقية – الإيرانية، عام 1982، ما وضعه في مواجهة مباشرة مع الميليشيات المدعومة من إيران خلال السنوات الماضية.

التوجه نحو البعثيين، وفقاً “للعبادي” سيكون بصفاتهم الشخصية وليس ضمن تنظيم حزبي،  ما يساعد على عدم إثارة ضجة حولهم، موضحاً: “الظروف اليوم في العراق تغيرت عن 2003، والنقمة على البعثيين أخذت منحى أقل، خاصةً وان صقور البعثيين وقادة الصف الأول من النظام السابق، مات معظمهم والبعض الآخر لا يزال في السجن، وهم باتوا في سن متقدمة جداً، وبالتالي فإن لا خشية لدى الحكومة العراقية أو الشعب العراقي من عودة نظام البعث مجدداً”.

كما يشير “العبادي” إلى أن قسوة تجربة الشعب العراقي مع 17 عاماً من نفوذ الميليشيات وإيران؛ مسح من ذاكرتهم تجربة البعثيين، خاصةً وأن استمرار القتل والعنف والاعتقالات ترافق مع فقر وجوع وبطالة وفقدان للتعليم، بالإضافة إلى تحويل العراق ساحة لتصفية حسابات إيران مع المجتمع الدولي.

ويعاني العراق من معدلات فساد مرتفعة جداً على مستوى العالم بالتزامن مع ارتفاع معدلات الفقر إلى 20 في المئة والبطالة إلى ما يتجاوز 20 في المئة، في واحد من أغنى الدول النفطية،  إلى جانب تردي الأوضاع الخدمية والصحية.

Exit mobile version