مرصد مينا – هيئة التحرير
مع تصريحات رئيس المجلس السيادي في السوداني، “عبد الفتاح البرهان” وانتقاداته للحكومة، يبدو أن الفترة الانتقالية في السودان تتجه إلى المزيد من التصعيد بين قطبيها، المجلس العسكري من جهة، والحكومة من جهة أخرى، بحسب ما تؤكده مصادر حكومية سودانية، لمرصد مينا، لافتةً إلى أن الأمور تتجه إلى مرحلة صدام بين الطرفين، تهدد الفترة الانتقالية.
يشار إلى أن “البرهان” وجه انتقادات لاذعة لحكومة “عبد الله حمدوك”، حيث اتهمها بالفشل والعجز عن تجاوز أزمات السودان، لافتاً في الوقت ذاته، إلى توجه السلطات العسكرية إلى بناء جيش سوادني قوي.
خلافات وقضايا شائكة وصراع صلاحيات
المصادر وفي حديثها مع مرصد مينا، أكدت أن سبب تأزم العلاقة بين القيادة العسكرية والحكومة تعود إلى تباين كبير في وجهات النظر حول قضايا الأزمة الاقتصادية وبعض النواحي السياسية في البلاد، بالإضافة إلى وجود خلافات عميقة حول الصلاحيات الممنوحة لكل طرف منهما.
كما أوضحت المصادر أن الحكومة ترى أن المجلس العسكري، الشريك في مجلس السيادة، يتدخل في عملها ويتجاوز صلاحياته، في حين يعتبر المجلس نفسه مسؤولاً عن متابعة عمل الحكومة في إدارتها للأزمة، وأنه يملك الحق في إقالتها في حال فشلها، مؤكدةً أن الخلافات بينهما وصلت إلى أوجها خلال الأسابيع الأخيرة.
يذكر أن السودان وخلال عام من الفترة الانتقالية، شهد عدة أزمات على مستوى الحياة المعيشية، بينها أزمة الخبز والوقود وعدم إيجاد حل للبطالة والفقر، ما أدى إلى خروج عدة مظاهرات في العاصمة الخرطوم وعدد من المحافظات الكبرى.
في السياق ذاته، أشارت المصادر إلى احتمالية أن تتعرض الفترة الانتقالية لهزات كبيرة في الفترة المقبلة، لافتةً إلى وجود توجهات لدى بعض قادة المجلس العسكري للإطاحة بحكومة “حمدوك”، واستبدالها بأخرى، ما قد يشعل الساحة السودانية مجدداً، في ظل رفض قوى التغيير، لمثل تلك الخطوة، التي تتهم المجلس العسكري بالسعي لانتاج حكم عسكري جديد في البلاد، على حد قول المصادر.
إجراء ليس سهل وثورة تعود إلى نقطة الصفر
تعليقاً على المتغيرات في السودان، يشير المحلل السياسي، “تاج الدين سوار” إلى أن فكرة الإطاحة بالحكومة السودانية الحالية، حتى وإن كانت عاجزة عن معالجة القضايا الكبرى، قد تعيد الثورة السودانية إلى مربعها الأول، ويفقد السودان المكاسب، التي حققها خلال العام الماضي، وتحديداً في ملف المصالحات الوطنية، مشدداً في الوقت ذاته على أن فكرة الإطاحة بالحكومة لن تكون بالخطوة السهلة وقد تفجر الأوضاع مجدداً.
كما يلفت “سوار” إلى أن عودة التوتر إلى البلاد سيوقف الكثير من الملفات، لا سيما خروج السودان من العزلة وعودة الاسثمارات الدولية إلى البلاد، معتبراً أن الفشل الحكومي أياً كان شكله، يبقى أفضل من دخول البلاد في موجة توتر قد يرافقها عنف يعمق من أزمات السودان.
يشار إلى ان السودان بات قاب قوسين أو أدنى من رفع اسمه بشكل كامل من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد الاتفاقات التي عقدتها الحكومة مع الولايات المتحدة، بما يسمح بعودة السودان إلى المجتمع الدولي وعودة الاستثمارات إليه.
في السياق ذاته، يؤكد “سوار” أن السيناريو الأفضل هو إنهاء المرحلة الانتقالية، وانتظار قدوم حكومة جديدة منتخبة من الشعب، مشيراً إلى أن أي تحرك خارج الاتفاقات المعقودة بين الأطراف السودانية، قد تؤدي إلى أزمة لن يتمكن السودان من تجاوزها.
أخطاء وملفات غائبة
خلافاً لما نص عليه اتفاق قوى التغيير السودانية والمجلس العسكري، تعتبر الباحثة في الشأن السوداني، “نصرة آل عثمان” أن مد الفترة الانتقالية إلى عامين، كان إجراء خاطئ، وحرف مسار الحكومة الانتقالية بعيداً عن ملفات أساسية، موضحةً: “الأجدى والأكثر أمناً، أن تكون الفترة الانتقالية لمدة عام، تكون مهمة الحكومة فيها التحضير للانتخابات وتهيئة الظروف في السودان لوصول حكومة قوية متبنية لتوجهات الشعب وحاصلة على الشرعية”.
كما لفتت “آل عثمان” إلى أن الحكومة والمجلس العسكري، ابتعدوا عن تلك الملفات إلى قضايا تتطلب وجود حكومة منتخبة، كاتفاقيات السلام الدولية وقضايا تقاسم الصلاحيات، وكأنهما يسعيان لتثبيت أنفسهم في السلطة، مشيرةً إلى أن تلك الأمور ليست من صلاحيات الحكومات الانتقالية.
الملفات الغائبة بحسب “آل عثمان” امتدت أيضاً إلى عدم التحضير لطرح دستور جديد للبلاد يضمن الحريات والحقوق ويوزع الصلاحيات ويفصل بين السلطات، بالإضافة إلى تنظيم الحياة السياسية، مضيفةً: “ممارسة الحكومة والمجلس السيادي لقضايا أكبر من المطلوب منهم، أوصل البلاد إلى الحالة التي هي فيها الآن وخلق نوع من الصراع على السلطة”.
من جهته، يحذر المحلل السياسي، “محمد شيخ النوبي” من دخول مكونات الحكم السودانية في دائرة صراع على السلطة، لافتاً إلى أن هذا الصراع يشير إلى أن قطبي الحكم قد نسيا أن مهمتهم انتقالية فقط، وأن عليهما تسليم السلطة بعد نحو عامٍ من الآن.
ويرى “النوبي” أن على طرفي الحكم، ترك السودانيين يقررون من يحكمهم وكيف، مشدداً على أن أي توتر في المرحلة الحالية، سيرجع البلاد إلى حالة أسوأ مما كانت عليه أيام حكم “البشير”، على الأقل من الناحية الاقتصادية.
يذكر أن الثورة السودانية انطلقت نهاية العام 2018، قبل أن تتوج بالإطاحة بالرئيس السابق، “عمر حسن البشير” في نيسان 2019، بعد تدخلٍ من الجيش السوداني.
كما يشار إلى أن الحكومة الحالية، برئاسة “عبد الله حمدوك”، كانت نتيجة تفاهمات بين المجلس العسكري السوداني وقوى التغيير، التي أفرزت عن ما سمي بـ “المجلس السيادي”، المكلف بإدارة شؤون البلاد لمدة عامين، بدءاً من نهاية 2019 وحتى نهاية 2021.