مرصد مينا
قال الكاتب الأمريكي الشهير إن الحرب في أوكرانيا أبعد ما تكون عن نهايتها، ورغم ذلك فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يجد طريقة ما للانتصار فيها والخروج منها أقوى، مشيرا إلى أن هذه الحرب قد تكون نقطة تحول في الصراع بين الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية، ومن حيث إن الحرب العالمية الثانية أنهت الفاشية، والحرب الباردة أنهت الشيوعية الأرثوذكسية حتى في الصين. لذا، فإن ما يحدث في شوارع كييف وماريوبول ومنطقة دونباس يمكن أن يؤثر على الأنظمة السياسية بعيدا عن أوكرانيا وفي المستقبل البعيد.
فريدما أضاف في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز: هناك قادة استبداديون آخرون مثل قادة الصين، وهم يراقبون روسيا بعناية، ويرون اقتصادها يضعف بسبب العقوبات الغربية، والآلاف من شبابها من التقنيين يهربون من حكومة تمنعهم من الوصول إلى الإنترنت والأخبار الموثوقة، كما أن جيشها غير الكفؤ فيما بدا غير قادر على جمع وتبادل المعلومات الدقيقة ونقلها إلى الأعلى، فهؤلاء القادة يجب أن يتساءلوا “هل نحن فعلا بهذه الهشاشة؟”.
فريدمان استهل مقاله بالقول بعد ما يقرب من 6 أسابيع من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بدأت أتساءل عن هذا الصراع، أليس بالفعل أول حرب عالمية حقيقية نعيشها، أكثر بكثير من الحرب العالمية الأولى والثانية؟ ففي هذه الحرب التي تبدو “حربا عالمية على الهواء” يستطيع الجميع تقريبا: إما مشاهدة القتال أو المشاركة فيه بطريقة ما أو التأثر اقتصاديا به، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه.
في الحرب العالمية الأولى والثانية لم يكن لدى أي شخص هاتف ذكي ولا نافذة على الشبكات الاجتماعية تمكنه من متابعة الحرب والمشاركة فيها بطرق غير فعلية، بل كان قسم كبير من سكان العالم لا يزال تحت الاستعمار، وليست لديهم الحرية الكاملة للتعبير عن وجهات نظر مستقلة، حتى لو كانت لديهم التكنولوجيا، كما كان العديد من المقيمين خارج مناطق الحرب من مزارعي الكفاف الذين يعانون من فقر مدقع والذين لم يتأثروا بشدة بالحرب العالمية الأولى والثانية، ولم تكن هناك طبقات دنيا ومتوسطة معولمة ومتحضرة متصلة بالإنترنت، كما هي الحال اليوم.
أما الآن فيمكن لأي شخص لديه هاتف ذكي مشاهدة ما يحدث في أوكرانيا بشكل مباشر وملون، ويمكنه التعبير عن آرائه عالميا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويستطيع أي شخص لديه هاتف ذكي وبطاقة ائتمان مساعدة الغرباء في أوكرانيا، كما يمكن للحكومات في كل دولة تقريبا التصويت لإدانة أو تبرير جانب أو آخر في أوكرانيا من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وحول الادخار الروسي يقول فريدمان: مع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ادخر أكثر من 600 مليار دولار من الذهب والسندات الحكومية الأجنبية والعملات الأجنبية، التي جناها من صادرات الطاقة والمعادن، كضمان وأمان في وقت العقوبات التي قد يفرضها الغرب، فإنه نسي فيما يبدو أن حكومته أودعت معظم تلك الأموال في بنوك الصين والدول الغربية، وكلها ما عدا الصين جمدت الآن الاحتياطيات الروسية التي تحتفظ بها، وحسب مركز “جيو إيكونوميكس” التابع للمجلس الأطلسي، لن يستطيع بوتين الوصول إلى حوالي 330 مليار دولار لدعم اقتصاده بلاده المتدهور.
الكاتب الأمريكي يرى أنه يجب أن يشعر بالقلق جميع القادة حول العالم الذين انجرفوا نحو نسخة ما من الرأسمالية الاستبدادية المستوحاة من بوتين أو نظام الكليبتوقراطية/حُكم اللصوص، وهي حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، على الرغم من أن إزاحتهم لن تتم بسهولة لما أصبحوا عليه من البراعة في استخدام تقنيات المراقبة الجديدة والتلاعب بالسياسات والموارد المالية للدولة من أجل البقاء في السلطة.
وعدد الكاتب، في هذا السياق، مجموعة من الدول مثل ميانمار والصين وكوريا الشمالية وبيرو والبرازيل والفلبين والمجر والعديد من الدول العربية، مشيرا إلى أن بوتين كان يأمل أن تؤدي فترة ولاية ثانية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى تحويل الولايات المتحدة إلى نسخة من هذا النوع من حكم اللصوص القوي للرجل القوي، وأن يقلب التوازن العالمي برمته في طريقه.