تونس أزمة سياسية تبعاتها الاقتصادية تصل إلى لقمة المواطن

مرصد مينا – هيئة التحرير

أخذت الأزمة السياسية التونسية تتحول إلى أزمة اقتصادية خانقة مع وصول تداعياتها إلى لقمة المواطن التونسي وذلك في سياق واقع اقتصادي لدولة مثقلة بالديون.

أحدث حلقات  الأزمة المعيشية ما تسبب به قرار حكومة المشيشي بفرض حجر صحي شامل في البلاد ليشمل أسبوع العيد الذي يمثل موسما اقتصاديا منتظرا من قبل القطاعات التجارية، الأمر الذي دفع نشطاء وحركات وجمعيات تونسية، لاتهام حكومة هشام المشيشي، المدعومة من قبل حركة النهضة، بمضاعفة معاناة المواطن التونسي والتسبب في حرمانه من رزقه قبل عيد الفطر، وذلك على خلفية قرار الحجر الشامل من دون إعلام التجار الذين استعدوا لموسم العيد.

وتشمل الإجراءات المتعلقة بالحجر الصحي الشامل حظر التجول من السابعة مساء إلى الخامسة صباحاً، ومنع التنقل بين المدن إلا الحالات المرخص لها والحالات الاستعجالية والخدمات الأساسية، ومنع جميع التجمعات والاحتفالات، وغلق الفضاءات الترفيهية والمتنزهات ومختلف محلات الخدمات، فضلاً عن منع ارتياد دور العبادة، وغلق الأسواق والمحلات التجارية الكبرى باستثناء محلات المواد الغذائية، ومواصلة العمل بإجراءات الحجر الصحي الإجباري للوافدين.

إلا أن عدداً كبيراً من التونسيين قرروا التمرد على الحجر الصحي الذي يتزامن مع عطلة عيد الفطر المبارك والتي يستغلها أغلب التجار والباعة في تحقيق مبيعات كبيرة لتعويض خسارتهم جراء أزمة فيروس كورونا.

سياسة التجويع

نسرين العماري، النائب عن كتلة الإصلاح كتبت عبر مواقعالتواصل: “عصيان مدني في مدينة الكاف، فعلها رجال ونساء الكاف دفاعاً عن خبزهم اليومي ومستقبل صغارهم. الكاف لا معامل ولا شركات كبار كي يعمل فيها الناس، جميع الناس إما أنهم يعملون في القطاع العمومي أو لديكم حوانيت صغيرة أو مقاهٍ. الكاف التي طالما امتثلت لقرارات الحكومات من بداية الجائحة، اليوم قالت بصوت واحد لا للقرارات العشوائية، أضم صوتي لصوت أولاد بلادي لا للالتزام بقرارات الحكومة الأخيرة وأتحمل كامل مسؤوليتي في ذلك”.

وخاطب محسن مرزوق، رئيس حزب مشروع تونس، الحكومة بقوله: “ألا تخجلون يا مسؤولي الغلبة؟ سمحتم بفتح الفضاءات التجارية الكبرى التي هي فضاءات مغلقة مناسبة لانتشار الفيروس وأغلقتم الأسواق المفتوحة التي فيها ضمانات صحية أكثر ومخاطر أقل. الفرق أن المساحات الكبرى عندها من يدافع عنها وأنتم تخافون منهم، أما البقية فهم تجار صغار ومتوسطون تحرمونهم من رزقهم وترغبون في إفلاسهم، وتخلقون ظروف العصيان المدني”.

اتحاد الشغل (المركزية النقابية) واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) من جهتهما عبرا عن رفضهما للقرارات الحكومية، مؤكدين أن المحلات التجارية وجميع المهن الحرة ستواصل نشاطها بشكل طبيعي ولن ترضخ لقرارات الحكومة.

وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، سمير الشفي، إن “السياسات الارتجالية وغياب الإلمام بالواقع المعيشي للشعب التونسي تكون نتائجه معروفة، عندما تفرض إجراءات تمس من قوت المواطن فمن الطبيعي أن هناك ردود فعل رافضة لها”.

من جهته، ذهب “حمة الهمامي” الأمين العام لحزب العمال إلى القول إنه “من حق الأشخاص العصيان المدني وفرض وجودها وبالتالي التصدي لسياسات التفقير والتجويع متهماً حكومة المشيشي بضرب التجار الصغار والسماح لأصحاب المساحات التجارية الكبرى بتكوين ثروة”. فيما طالبت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، بعقد جلسة عامة مستعجلة في البرلمان لمساءلة الحكومة عن “القرارات المفاجئة وغير المدروسة التي اتخذتها وتسببت في الاحتقان العام في البلاد، والخروج بحلول عملية لتطويق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة”.

وتساءلت في صفحتها على موقع فيسبوك: “كيف تتخذ الحكومة قرارات بقطع الأرزاق بشكل مفاجئ ودون سابق إعداد وإعلام وتنسيق وتعويض للفئات المستهدفة بالقرارات؟ فشل ذريع للرئاسات الثلاث واستخفاف بالمواطن وإهمال للوضع الاجتماعي المحتقن ودفع بالبلاد نحو العصيان المدني وانهيار مؤسسات الدولة”.

دعوات للاستقالة

حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، رئيس الحكومة هشام المشيشي بالاستقالة، معتبراً أن “كلفة تغيير الحكومة أقل بكثير من كلفة بقائها في ظل العجز اللا مسبوق”، داعياً إلى الإسراع في إجراء “حوار وطني شامل يجمع كل الأطياف السياسية والاجتماعية ولا يقصي أحداً بقيادة رئيس الجمهورية ومساندة الرباعي الراعي للحوار”.

واعتبر، في بيان له  أن الحكومة “فشلت في إقرار الإجراءات الصحية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية في مواجهة الجائحة والتأخير والتخبط والتراجع عنها مراراً، وعجزت عن تطبيق الإجراءات التي قررتها. كما فشلت في توفير اللقاحات في آجال معقولة، فضلاً عن التستر وانعدام الشفافية والتشاور فيما يتعلق بالملف الاقتصادي والمفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، وهو ما أدى إلى فقدان ثقة الشعب التونسي بطريقة غير مسبوقة منذ الثورة، وإلى عجزها عن طمأنة المواطنين على مستقبل تونس، وصارت تهدد حتى مقومات الدولة وجعلتها عاجزة عن القيام بدورها”.

أما رئيس حزب آفاق تونس، فاضل عبد الكافي، إن هناك حلين أمام رئيس الحكومة هشام المشيشي “إما الذهاب إلى رئيس الجمهورية والتوصل إلى حل معه، أو الاستقالة ومصارحة الشعب التونسي. ومن غير المعقول أن يكون هناك حوالي 10 وزراء بالنيابة، وأن يواصل وزير مقال مهامه على رأس وزارة الصحة في ظل الأزمة الصحية والجائحة التي تعيشها البلاد والعالم”.

العصيان المدني هو الحل

محللون تونسيون اعتبروا أن العصيان المدني الذي قام به التجار أمر مشروع، مطالبين الحكومة بالعدول عن قرار فرض الحجر الشامل، وفتح المحال التجارية لصغار الحرفيين والتجار قبل عيد الفطر.

وكانت المحافظات التونسية شهدت مظاهرات ومسيرات ليلية لليوم الثاني على التوالي، احتجاجاً على قرار الحكومة شارك فيها عمال وحرفيون وتجار وسائقون تضرروا من قرار فرض الحجر الشامل، ودخلوا في حالة عصيان مدني، للضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها.

الناشطة التونسية مريم عزوز أكدت في تصريحات نقلتها “سكاي نيوز” أن الحكومة أخطأت باتخاذ هذا القرار ولم تنظر إلى مصالح التجار والحرفيين وأجحفت بحقوقهم، إذ إن عيد الفطر يمثل طوق النجاة لهم في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة بالبلاد.

وأضافت عزوز أن “العصيان المدني الذي تشهده بالبلاد هو نوع من الرفض لقرار الحكومة بما أن الدولة لا تعوض التجار في حالة الإغلاق، فلو كانت الدولة تقدم تعويضات في حالة الإغلاق، كان من الممكن أن يقبل التجار بهذه الإجراءات”، مشيرة إلى أن التجار وأصحاب المحال هم أول من سيتكبدون الخسائر.

عزوز لفتت إلى أن “تونس أمام مأزق كبير، لأن التجار وكل المواطنين التونسيين يعانون بسبب الأزمة الاقتصادية التي طالت دون أي تدخل من الدولة”، مضيفة أن “حالة الفقر في تونس دون أدنى شك أخطر من الوباء”.

بدورها، قالت الكاتبة والمحللة التونسية ضحى طليق إن الحكومة قد أخطأت في توقيت فرض الحظر الصحي الشامل الذي زاد من تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد من سنوات وعمقتها أزمة كورونا، لا سيما وأن الدعم الذي توفره الحكومة للفئات والقطاعات المتضررة يعد زهيدا مقارنة بحجم الخسائر التي أدت إلى فقدان الآلاف مصادر رزقهم.

تطمينات أمريكية

أصداء الأزمة التونسية، بشقيها السياسي والاقتصادي، وصلت إلى ابيت الأبيض حيث أكّدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس”الدعم القوي” من جانب واشنطن للديموقراطية التونسية الناشئة، وذلك في محادثة هاتفية أمس الثلاثاء مع الرئيس قيس سعيد الذي تتفاوض بلاده المثقلة بالديون على خطة مساعدات مع صندوق النقد الدولي.

وقال البيت الأبيض في بيان أن هاريس “أكدت دعم الولايات المتحدة القوي للديموقراطية التونسية”. وأضاف أن سعيد وهاريس شددا على “أهمية المؤسسات الديموقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد”.

من جهتها قالت الرئاسة التونسية في بيان إنه تم خلال الاتصال التطرق الى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في تونس.

نائب الرئيس الأميركي كتبت على تويتر “نحن إلى جانب تونس في الوقت الذي تقوم بالإصلاحات اللازمة لمواجهة التحديات التي تمثّلها الجائحة”.

يشار أن وفدا تونسيا توجّه وفد تونسي إلى واشنطن الأسبوع الماضي للقاء مسؤولي صندوق النقد الدولي، كما التقى الوفد مسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة.

ويواجه الاقتصاد التونسي صعوبات زادت من تداعياتها التدابير الصحية بسبب الجائحة، وسجل النمو الاقتصادي في الفصل الأخير من 2020 تراجعا نسبته 6,1 بالمئة. أما البطالة وهي الملف الذي يؤرق الحكومات منذ 2011، فقد ارتفعت الى 17,4 بالمئة في بلد يبلغ عدد سكانه 11,7 مليون نسمة.

ويدعو الصندوق السلطات التونسية منذ زمن إلى توجيه مساعدات مباشرة للعائلات الفقيرة بدلا من نظام دعم أسعار بعض المواد مثل الخبز والمحروقات، الذي يستفيد منه الجميع حاليا.

Exit mobile version