تبرم الحكومة التونسية بين الحين والآخر صفقات مع تركيا مثيرة للكثير من الجدل،فالمبادلات التجارية غير متوازنة مع هذا البلد مما ساهم بشكل كبير في عجز الميزان التجاري بسبب الإصرار على توريد مواد غير ضرورية مقابل نسبة صغيرة جداً من التصدير. ووفق البيانات الرسمية، يبلغ حجم المبادلات التجارية بين تونس وتركيا نحو 1.25 مليار دولار حاليا، وتسعى أنقرة إلى زيادتها إلى ملياري دولار.
وتعود أسباب غزو السلع التركية لتونس إلى سنة 2004 حين تم إبرام اتفاقية الشراكة والتبادل الحر بين الطرفين.
وما يرفع منسوب الشكوك حول الجدوى الاقتصادية من الميل إلى تركيا هو ضعف مساهمات هذه الأخيرة لدعم تونس في مؤتمر الاستثمار نهاية نوفمبر 2016، حيث لم تقدّم تركيا سوى 100 مليون دولار كوديعة.
ولا تستثمر سوى 26 شركة تركية بين 3455 شركة أجنبية تنشط في تونس، إذ يبلغ حجم أعمالها 400 مليون دينار وهو مبلغ بسيط للغاية.
والهدف الوحيد، الذي استفادت منه تونس من هذه الشركات، هو امتصاص جزء من البطالة عبر توفيرها قرابة 2.5 ألف فرصة عمل .
امتيازات تفاضلية
وبعد منح تركيا النصيب الأسد من المبادلات التجارية ،فوجئنا مؤخراً بمنح الشركة المشغلة لمطار النفيضة الدولي امتيازات تفضيلية لا تستجيب للمعايير المتفق عليها.مما يجعلنا نتحدث عن الارتهان لتركيا.
وباب الارتهان هذا كان قد فتح على مصراعيه في عهد الترويكا الذي كانت فيه حركة النهضة الإسلامية هي المهيمنة على المشهد السياسي والسلطوي بعد أن تم إبرام عدد من الشراكات التركية.
وقد عبر عدد من التونسيين في وقت سابق عن امتعاضهم من هذا التقارب التونسي التركي ليتحول الامتعاض فيما بعد الى احتجاج وسخط كبيرين بعد انتشار مقطع الفيديو الذي يظهر فيه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وهو يتحدث عن إبرام اتفاق لتمكين الجانب التركي من تخفيض بنحو 65 بالمائة في امتياز استغلال مطار النفيضة – الحمامات الدولي من خلال جدولة ديونه.
وقال الطبوبي رئيس المنظمة الشغيلة في هذا الخصوص أن الاتفاق تم في سرية تامة وكأننا أهدينا مطار النفيضة مجاناً للأتراك.
واعتبر الأمين العام لاتحاد الشغل أن هذه المسألة خطيرة للغاية، وطالب بفتح تحقيق في هذا الملف للكشف عن ملابسات هذا الاتفاق، وتتبع كل من اتخذ القرار بشكل أحادي دون القيام باستشارة واسعة مع نواب الشعب.
وكانت مجموعة” تاف” القابضة التركية قد فازت في 2007 بمناقصة بناء المطار، كما منحت السلطات خلال حكم زين العابدين بن علي امتياز تشغيله لمدة أربعة عقود لتؤسس الشركة فرعاً لها باسم تاف تونس لإدارة المطار.
وبعد الثورة تغيرت الأوضاع وبدأت الحكومات المتعاقبة، التي تحركها حزب حركة النهضة بالتأثير على المسؤولين من أجل الميل بشكل جلي لتركيا بالنظر الى التقارب الأيديولوجي بينهما وذلك عبر عقد صفقات زادت من تداعياتها على الاقتصاد التونسي المتعثر…ويعتبر هذا الأمر خطيراً بالنظر الى ما سيخلفه من حالة فوضى قد تغرق البلاد أكثر وتعمق أزمتها.
تواطؤ وزارة النقل
ورغم ما تحمله تصريحات الأمين العام نور دين الطبوبي من خطورة حول ملف مطار النفيضة إلا أن الحكومة لم تقدم أي توضيح حول هذه المسألة ولم تفسر وفق أي قانون تم ابرام هذا الاتفاق كما لم تحمل أي طرف المسؤولية الى حد الآن.
فالإخلال بالتعهدات السابقة القائمة على آلية تعامل بين بلد وشركات أجنبية لبناء واستغلال منشأة معينة يتطلب تدقيقاً وتحقيقاً شافين لمعرفة الأسباب والدوافع التي أدت الى هذا الإخلال..
وينص الاتفاق الجديد المبرم بين الطرفين على أن تستغل شركة تاف التركية مطار النفيضة الدولي لتعويض خسائرها ومصاريفها، التي فقدتها قبل 2011 وتحقق الأرباح ثم ترجع المطار للدولة التونسية.
السؤال المطروح هنا هو كيف يسمح للشركة التركية أن تعوض خسائر ومصاريف على مشروع كانت قد أنشاته في السابق ولكنها لم تموله بعد 2011 ؟
من الواضح إذن أن هناك طرف تدخل للإخلال بالاتفاق السابق ومن الواضح أيضا أن هناك محاباة وغموضاً بخصوص هذه الصفقة.
وكانت تاف قد التزمت خلال شهر جوان الفائت تجاه الحكومة التونسية بإعادة الاستثمار في مطار النفيضة بعد أن هددت وزارة النقل قبل ذلك بسحب امتياز المجموعة التركية.
وتشير المعطيات المتوفرة أن هذا القرار تم اتخاذه بعد عدة مفاوضات مع وزير النقل هشام بن أحمد، بسبب خلافات حول شروط استعمال المطار وصيانته، من قبل الشركة التركية، التي كلفها تشييده نصف مليار دولار.
ويبدو أن شركة تاف تريد استغلال استثناء مطار قرطاج الدولي من اتفاق “السماوات المفتوحة”، الذي أبرمته تونس مع الاتحاد الأوروبي لفتح أجوائها أمام شركات الطيران منخفضة التكلفة، للاستفادة بشكل أو بآخر من مطار النفيضة.
ومن الواضح هنا وجود تواطؤ من وزارة النقل لإبرام اتفاق يرضي تركيا، خاصة وأن مردود المطار ضعيف بالنسبة للشركة التركية، حيث تراجعت عائداتها إلى نحو 65 بالمائة قياساً بالسنوات السابقة.
فقرب مطار المنستير المنافس لمطار النفيضة الحمامات أدّى لتراجع أعمال شركة تاف التركية لذلك مارست ضغوطاً على تونس للحصول على حصة أكبر.
وقد اقترحت تونس على الشركة التركية اقتسام أعمالها على المطارين حتى لا تخسر المزيد من العائدات، ولكن مع ذلك ظلت تاف تريد الاستحواذ على أنشطة المطارين بالكامل.
فمتى تتحرك الجهات المسؤولة لإيقاف مثل هذه الاتفاقيات التي تصنف في خانة المهازل والكوارث والتي تقلل من شان تونس وتمس من سيادتها؟