تونس تزيل مخيمات مهاجرين غير نظاميين وتؤكد رفضها أن تكون دولة عبور أو إقامة

مرصد مينا

عقد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، يوم أمس الإثنين 5 مايو 2025 ، جلسة عمل مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة آمي بوب، التي تؤدي زيارة عمل إلى تونس يومي 5 و6 مايو، تمّ خلالها استعراض مختلف برامج التعاون بين تونس والمنظمة وتقييم ما تمّ إنجازه في إطار تنفيذ برنامج العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين” الذي بدأ يسجّل تقدما نسبيا في عدد المنتفعين به مقارنة بالفترة السابقة”.

تونس لن تكون أرض اقامة

وقد أكّد الوزير، في مستهلّ اللقاء، على موقف تونس المبدئي والثابت الرافض بأن تكون دولة عبور أو أرض إقامة للمهاجرين غير النظاميين، منوّها “بالتزام تونس على مدى عقود من الزمن بفتح جامعاتها ومؤسسات التكوين والتأهيل المهني الوطنية لفائدة الأشقاء الأفارقة، فضلا عن انخراطها في كلّ مجهود تنموي ييسّر اندماجا اقتصاديا أفضل على المستوى الإقليمي والقاري بإفريقيا”.

كما شدّد على أهميّة تضافر الجهود للترفيع في وتيرة تنفيذ برنامج العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين، داعيا الى مزيد دعم عمل المنظمة الدولية من قبل الشركاء الدوليين “باعتباره يرتكز على احترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وإلتزام تونس بالسلوكيات الأخلاقية الفُضلى تجاه من هم ضحايا التنظيمات التي تتاجر بالبشر”.

وأكّد في هذا السياق على “استعداد الجانب التونسي لتوفير جميع التسهيلات من أجل ضمان عودة سلسة للمهاجرين غير النظاميين الى بلدانهم الأصلية.”

من جهتها، ثمّنت آمي بوب النتائج التي حققها برنامج العودة الطوعية بفضل تضافر الجهود الوطنية والدولية، مشيرة إلى التطور الملحوظ في التعاون بين تونس والمنظمة الدولية للهجرة خلال السنوات الأخيرة ليشمل مجالات متعددة على غرار تعزيز المسالك النظامية للهجرة وانخراط الجالية في دعم الاقتصاد الوطني لبلدانهم على غرار الجالية التونسية المقيمة بالخارج.

كما أبدت “تقديرها لوجاهة المقاربة التونسية الشاملة في الحرص على حوكمة أفضل لمسألة الهجرة تقطع الطريق أمام الإتجار بالبشر وغيرها من السلوكيات التي لا تمتّ بصلة للقيم الإنسانية المُثلى.”

تفكيك وإزالة المخيمات

وشرعت القوات الأمنية التونسية مؤخرًا في عملية تفكيك وإزالة وتعقيم خيام لمهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء، في معتمدية العامرة التابعة لمحافظة صفاقس، والتي تضم نحو 7 آلاف مهاجر غير نظامي.

ويأتي ذلك في خطوة تهدف إلى تخفيف أزمة المهاجرين المتفاقمة بعد أن تحولت تونس إلى نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة، بسبب سهولة اختراق حدودها.

وتقدر وزارة الداخلية التونسية عدد المهاجرين غير النظاميين المتواجدين في البلاد ب 23 ألف شخصا سنة 2024، ينحدرون من 27 جنسية مختلفة، فضل\ًا عن صد وارجاع حوالي 130 ألف على الحدود التونسية.

وكانت هذه المنطقة من ريف صفاقس قد أصبحت مثار جدل في تونس بعد ارتفاع التوتر بين المهاجرين الأفارقة والسكان المحليين الذين طالبوا السلطات بإخلاء حقولهم من المهاجرين.

وحسب مصدر رسمي تونس فان عملية تفكيك المخيمات تمت بطريقة “إنسانية” وأن عدداً كبيراً منهم سيستفيد من “العودة الطوعية” إلى بلدانهم.

توتر ومواجهات

ومر نحو عامين منذ أن تحولت بساتين الزيتون في منطقة العامرة على ساحل البحر المتوسط في وسط شرق تونس إلى مخيمات غير رسمية لآلاف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.

وأصبحت هذه القضية مثار جدل في تونس وسط حملة شرسة ضد المهاجرين، وأصبح التعايش مع السكان المحليين صعبا مع مطالبة أصحاب الأراضي بطرد الوافدين الجدد من حقولهم.

وارتفعت حدة التوترات منذ سنتين، عندما حذر الرئيس التونسي قيس سعيّد من أن تدفق “جحافل المهاجرين غير النظاميين” من جنوب الصحراء يأتي ضمن “مخطط إجرامي… لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس”.

بعد أن عبر الكثير منهم صحاري مالي والجزائر، كانوا يأملون قطع الطريق البحري للوصول إلى السواحل الإيطالية وتحقيق “الحلم” الأوروبي.

وفي عام 2023، دخلت تونس في “شراكة” مع الاتحاد الأوروبي الذي منحها مساعدات بقيمة 255 مليون يورو، سيتم استخدام ما يقرب من نصفها لمكافحة الهجرة غير النظامية.

ويواجه هذا الملف انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية في البلاد خاصة على اثر تداول مقاطع فيديو تناقلها التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر اندلاع مواجهات عنيفة في عدد من البلدات التونسية بين المتساكنين ومهاجرين وسط تزايد حدة الخطابات الداعية إلى تدخل الأمن لتطويقها.

قانون الغاب

وحول هذا الموضوع يقول رئيس “جمعية الأرض للجميع” عماد السلطاني إن هذا التعامل مع المهاجرين خاصة في محافظة صفاقس لا يحترم أدنى مقومات حقوق الإنسان، ذلك أن قانون الغاب أصبح يحكم بين التونسيين و مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء.

وأضاف أن تصاعد المواجهات يأتي في “غياب تام للسلطة” مشيراً إلى أن هذا الغياب يدفع فاتورته التونسيون والمهاجرون غير النظاميين.

وفي الإطار نفسه يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير أن حملات الشيطنة التي يتعرض لها المهاجرون غير النظاميين على منصات التواصل الاجتماعي ارتفعت بشكل لافت في الأيام الأخيرة مما عطل عمليات التدخل لتقديم مساعدات إنسانية لهم.

وأكد أن هذه “الحملات باتت تعرض حياتهم للخطر وتجعلهم محل مطاردة أينما حلوا وهذا ما يفاقم أزمتهم في تونس”.

استراتيجية لن تنجح

وتثير العملية الأمنية التي نفذتها السلطات التونسية، باستخدام العشرات من سيارات الأمن والجرارات، شكوك رمضان بن عمر من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

حيث يقول إنها كانت محاولة “لتفريق المهاجرين قدر الإمكان من أجل تهدئة التوترات بين السكان المحليين”.

وهي استراتيجية “لن تنجح” في رأيه، مضيفاً أن “المهاجرين سيتجمعون ويقومون ببناء مخيمات جديدة لأنهم لا يملكون مأوى”

العودة الطوعية

وقال المسؤول في الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي “قمنا بتفكيك خيام تؤوي 7 آلاف مهاجر في غابات بلدة العامرة التابعة لمحافظة صفاقس والعملية لا تزال مستمرة بحضور القوات الأمنية وطواقم طبية والحماية المدنية”.

وأضاف أنه خلال العملية تم اعتقال عدد منهم بسبب العنف والجرائم، مؤكداً بدء عمليات ترحيل قسرية إلى أوطانهم.و قال نه تم ضبط سكاكين وسيوف بحوزتهم.

وأضاف أن السلطات تسعى في الوقت نفسه إلى إعادة الآلاف إلى أوطانهم بشكل طوعي.

وتدعو الحكومة التونسية المنظمات الدولية إلى تكثيف جهودها لدعم العودة الطوعية للمهاجرين، إلا أن هذه السياسة تطرح عدة إشكالات، خاصة أن برامج العودة الطوعية لا تشمل اللاجئين، وطالبي اللجوء، وعديمي الجنسية، والقصر غير المصحوبين.

كما أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، والتي تضمنت تمويلاً بقيمة 13 مليون يورو لدعم عمليات العودة الطوعية، تثير تساؤلات حول مدى فعاليتها في معالجة الأزمة بشكل جذري.

وسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن أعربت في بيان لها، عن بالغ قلقها إزاء ما اعتبرتها “التطورات الخطيرة التي يشهدها ملف المهاجرين والمهاجرات من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تونس، نتيجة تنامي الاعتداءات والانتهاكات التي تستهدفهم، والتي تعمّق من معاناتهم وتعرض حياتهم وكرامتهم لمخاطر جسيمة”.

وتعوّل السلطات التونسية على برامج العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين التي أطلقته خلال العامين الماضيين لحل أزمة الهجرة، إذ أكد محمد بن عياد، كاتب الدولة بوزارة الخارجية التونسية، أن تونس وبالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، أعادت ما مجموعه 7250 مهاجراً غير نظامي إلى بلادهم خلال عام 2024.

وشدد في هذا السياق على موقف تونس ورفضها التام لأن تكون بلد عبور أو استقبال أو استقرار للمهاجرين.

في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، على “أهمية تضافر الجهود ومواصلة التنسيق بين جميع الأطراف المتدخلة، بما يساهم في نجاح برنامج العودة الطوعية للمهاجرين في جميع مراحله”.

ودعا وزير الخارجية شركاء تونس إلى مزيد دعم برنامج العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين الذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة باعتباره الخيار الأمثل لضمان عودة المهاجرين غير النظامين إلى بلدانهم الأصلية في ظروف إنسانية تحفظ كرامتهم.

وذكرت الوزارة في بلاغ لها أن الوزير دعا إلى تكثيف الحملات التوعوية في صفوف المهاجرين غير النظاميين للتعريف ببرنامج العودة الطوعية وبما يُوفره من إمكانيات لإعادة إدماجهم في بلدانهم الأصلية.

وفي السياق نفسه أفادت المنظمة الدولية للهجرة أنها نفذت 1740 عملية عودة طوعية، بعد ما يقرب من 7000 عملية في العام الماضي، وهو ثلاثة أضعاف العدد المسجل عام 2023.

مطالبة بالإبحار إلى أوروبا

وبعد التدخلات الأمنية التي جدت مؤخراً بصفاقس والتي تم على إثرها إخلاء المخيمات وتفكيكها تعالت أصوات المهاجرين الأفارقة مطالبين السلط التونسية بتمكينهم من الإبحار إلى أوروبا غير مبالين بخطورة قوارب الموت التي تسرق حياتهم وتحطم أحلامهم فاعتبروا البحر أقرب طريق لأحلامهم وأهون بكثير من الظروف التي يعيشونها حاليا بصفاقس.”لا نريد إقامة” و”لا مساعدة “نريد السماح لنا بالمغادرة إلى أوروبا” … كانت هذه أغلب مطالب المهاجرين المتواجدين وسط مدينة صفاقس في ظروف قاسية جدا.

مطالب تعكس بؤس هؤلاء في سعيهم إلى اختيار مسار أكثر كلفة إنسانيّاً، بالنظر إلى عدد الضحايا الذين يموتون غرقاً وأعداد مفقودين مرتفعة بسببه ورغم ذلك مازال مسار البحر خيار الكثيرين ومازلت صفاقس موقعا متميزاً للهجرة في عيون الحالمين لغد أفضل في ظل غياب استراتيجية ومقاربة واضحة لمعالجة الهجرة غير النظامية بتونس.

Exit mobile version