مرصد مينا
في عين الحلوة، “فتح” فتحات، فمن فتح منير المقدح إلى فتح العرموشي وما بينهما ولكل مشروعه، أما فتح أبو مازن فهي فتح التنافس على وراثة “الرئيس” لتكون البندقية بمواجهة البندقية، فيما التنظيمات الإسلامية فتمتد من “أنصار الإسلام” إلى “شباب الإسلام” مروراً بالجهاد وحماس، والكل يتنافس مع الكل على أيهم الأشدّ تطرفاً، في حمّى صراع الاقتتال فيها لايتجاوز مساحة كيلو متر مربع هي مساحة المخيم الذي طالما كان رمزاً للشتات الفلسطيني المصحوب بشعار “العودة”، والسلاح يتدفق على تلك المساحة المكتظّة بالسكّان ليكون المتر الواحد فيها من أعلى مساحات الدنيا اكتظاظاً بالقتلى والسكّان.
على مداخله حراسات من الجيش اللبناني، وفي عمقه كل هارب ومطلوب، أما السلاح فلا أحد بمن فيهم الضالعين بالعلم يعلم تمام العلم كيفية دخوله إلى هذا المخيم وقد أعلن مع كل اشتباك عن مستودعات كاتيوشيا وصواريخ بمدى حيوي يتجاوز المخيم ليصل إلى عمق صيدا، وبالطريق يعطّل المدينة ويحيلها إلى مدينة أشباح فيما “حرب الأخوة” تتصل وإن توقفت فلتعود مع مزحة من هنا أو نكتة من هناك.
عصبة الأنصار تتفرج، وبيدها الكثير من الضبط والربط فيما يخص شباب الإسلام، والمقدح يتفرج وبيده الكثير من الضبط والربط للفتحاويين الموزعين على ولاءات، وحماس تشتغل على تأزيم المؤزم وهي تصالب ذراعيها في موقف المتفرج على من يجرفهم نهر الاقتتال، أما القوات العسكرية اللبنانية فليس امامها ولا واحد من اختيار.
ترك الاقتتال داخل المخيم بمنعكساته على صيدا وكامل الجنوب، لابد ويعني فيما يعنيه توليد شرارة الحرب في صيدا، وفسح الطريق لفوضى أهلية إن اجتاحت صيدا فستجتاح لبنان، وإن أعاد الجيش تجربة “نهر البارد” فهذا يعني تعريض الجيش للقتل أو عناصر منه، مع ما يستتبع هذا الدخول من صرخات إعلامية تستعيد ذاكرة “صبرا وشاتيلا”، ونقل الجيش من موقع حامي أمن صيدا ومحيطها بما فيه المخيمات، إلى “الجيش المعادي للقضية الفلسطينية”، والجيش اللبناني بقيادته مازال في موقع المتفرج وبالنتيجة في موقع “الملام”، أما “حزب الله” فلابد وأنه يشتغل في المخيم داعماً للفصائل الإسلامية بمواجهة “فتح”، ووحده من يستطيع الإجابة عن سؤال:
ـ من يُدخل السلاح إلى المخيمات؟ ومن يواكب مسيرة الاقتتال فيه؟
هو ذا “عين الحلوة”، سلطة رام الله بمواجهة سلطة غزة، ولكل سلطة تشظياتها على أرض لبنان المُضيف، وليس معلوم حتى اللحظة حقيقة من يساند ويدعم الاقتتال، اللهم باستثناء حزب الله وطالما شدّ على أيدي أنصاره في لبنان، ليسقط من لبنان سلاماً إسرائيلياً فلسطينياً هشّاً، ومن ثم يستبدله باقتتال فلسطيني فلسطيني بالغ التماسك، وعلى الأرض اللبنانية الضيّقة بأحمالها أن تتسع للعبة السيرك هذه.
لعبة يمكن وصفها بتضييع القضية الفلسطينية برمتها وتحويلها من “شعب يستعيد أرضه” إلى فصائل تقتتل على أرض الغير.