جريمة مرتفعة وقضاء في إجازة.. كيف تحول لبنان من سويسرا الشرق إلى برازيله؟

مرصد مينا – هيئة التحرير

تزامناً مع تردي الحالة السياسية والمعيشية، تتصاعد وتيرة الجرائم المرتكبة في لبنان، والتي تتوزع على عدة مجالات، بحسب ما تكشفه إحصائيات الحكومة اللبنانية، وسط تحذيرات من إمكانية تسجيل المزيد من الارتفاع في معدلات الجريمة في البلاد.

وكانت الحكومة اللبنانية قد كشفت عن ضبطها خلال شهر كانون الثاني الماضي، 324 شخصاً متورطين في جرائم متعدّدة، بينها تجارة وتعاطي المخدرات والقيام بأعمال سرقة، بالإضافة إلى التورط في تجارة السلاح وحيازته دون ترخيص.

نتيجة منطقية لحالة استثنائية

تعليقاً على تصاعد معدلات الجريمة، يقول الباحث الأمني، “وسيم عرجة”: “كل ما تشهده البلاد من ظواهر هو نتيجة منطقية للظروف الاستثنائية التي تواجهها البلاد، وفي العرف الأمني دائما ما ترتبط الجريمة والأعمال غير القانونية بالحالة الاقتصادية بشكل عكسي، خاصة وأن عدد كبير من اللبنانيين باتوا بدون عمل، بسبب الأزمة الحاصلة وآثار انتشار وباء كورونا وعدوم وجود بدائل حكومية”، مشيراً إلى أن غياب الحكومة وحالة عدم الاستقرار السياسي، تتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية عن تلك الظواهر.

يشار إلى أن الإحصائيات الرسمية كشفت عن ارتفاع معدلات البطالة في لبنان، إلى 35 بالمئة بعد موجة كورونا وإغلاق العديد من المنشآت والفعاليات الاقتصادية، لا سيما العاملة في مجال السياحة، الذي يعتبر المجال الأكثر تضرراً في الاقتصاد اللبناني نتيجة الوباء.

كما يحذر “عرجة” من أن الأخطر في ظواهر الجريمة لم يأتي بعد، على الرغم من كل الحوادث التي شهدتها البلاد، معتبراً أن الأمور حتى هذه اللحظة لا تزال ضمن الحدود المقدور على ضبطها، ولكن في حال استمرار الوضع الراهن، فإن الجريمة في لبنان ستتحول إلى مصدر رزق فعلي للعديد من الشباب أو الأسر، في ظل عجز الطبقة السياسية عن إخراج البلاد من ازمتها.

ويشير “عرجة” في حديثه مع مرصد مينا، إلى أن الجوع خلال الأشهر القادمة سيكون محركاً فعلياً للجريمة في لبنان، معتبراً أن كل ما تمر به البلاد أفقد الدولة اللبنانية هيبتها وجعل من تلك الهيبة مجرد شعار خشبي في خطابات المسوؤلين، وهو ما ظهر جلياً في الجرائم التي وقعت جهاراً نهاراً في لبنان، والتي طال بعضها عناصر أمنية.

وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً يعرض لحظات تعرض عنصر أمن لبناني لاعتداءٍ وحشيٍ من قبل شخص مدني كان يستقل سيارة مظللة دون لوحة أرقام، أمام أحد الأقسام الأمنية، ما طرح عدة تساؤلات عن دور المؤسسات الرسمية في لبنان.

في برازيل الشرق.. حارة كل مين إيده إله

خلال تعليقه على الوضع الأمني في البلاد، يستذكر المحلل السياسي “ميشال بوصعب” الفيلم السوري الشهير، “صح النوم” وحارة “كل مين إيده إله”، مضيفاً: “هذا هو حال لبنان حرفياً وليس مجازياً، فالدولة عملياً رفعت يدها عن كل شيء بات المواطن هو المسؤول عن حماية حقوقه ولقمة عيشه التي يحصل عليها بيده فمن لا يد له لا حقوق ولا معيشة له في هذا البلاد”.

كما يتهم “بوصعب” بعض الجهات السياسية والأحزاب بتحويل لبنان من سويسرا الشرق إلى برازيل الشرق، مع رعايتها لزراعة واتجار المخدرات وتجارة السلاح وعمليات التصفية والقتل لخصومها، لافتاً إلى أن بعض مناطق لبنان باتت فعلياً مناطق خارجة عن القانون وسلطة الدولة كما هو الحال في مناطق الجرود والبقاع والضاحية الجنوبية وبعض مناطق طرابلس.

يذكر أن منطقة البقاع اللبناني شرقي البلاد، تعتبر من اكبر مناطق زراعة الحشيش في الشرق الاوسط، والتي تديرها عشائر وعائلات مقربة من حزب الله، والتي يأتي في مقدمتها عائلة “زعيتر”.

كما كانت منطقة البقاع قد شهدت خلال الأشهر الماضية، عدة مواجهات مسلحة بين عدة عشائر تم خلالها نصب الحواجز واستخدام قذائف صاروخية وسلحة رشاشة، وسط عجز كامل من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية عن الحد من فوضى انتشار السلاح.

في السياق ذاته، يشير الباحث في الشؤون اللبنانية، “عمار جبيلي” إلى أن تصاعد معدلات الجريمة يرتبط أيضاً في حالة الانفلات القائمة على الحدود، لافتاً إلى أن المعابر غير الشرعية تلعب دوراً كبيراً في تأمين كميات كبيرة جداً من الأسلحة داخل لبنان، والتي يستخدم قسم لا يستهان به في جرائم مختلفة وحتى في تشكيل العصابات.

وإشارة إلى مدى الحال التي وصل إليها الملف الأمني في لبنان، يقول “جبيلي”: “نحن في بلد الوصل فيه إلى قطعة السلاح أسهل بكثير من الحصول على فرصة توظيف أو علبة دواء”، مشدداً على أن هذا الوضع بخدم بعض الجهات السياسية، وليس فقط حزب الله، والتي تسعى إلى استغلال حالة الفقر إلى تدعيم صفوف عناصرها المسلحة من خلال الحاجة وانعدام الأفق.

يذكر أن الأمين العام لحزب الله، “حسن نصر الله” كان قد أقر في خطابٍ له العام 2020، بإدارة حزبه لعشرات المنافذ الحدودية غير الشرعية مع سوريا، مشدداً على رفض الحزب إغلاق تلك المنافذ تحت أي سبب من الأسباب.

وكانت السلطات الامنية  اللبنانية قد كشفت في إحصائياتها عن ضبط عناصرها 78 سلاحاً حربياً خلال شهر كانون الثاني الماضي، مشيرةً إلى أن تلك الأسلحة تضم أنوع مختلفة، بالإضافة إلى ضبط أجهزة اتصالات ودراجات نارية.

قضاء في إجازة وأمن بلا سلطة

حالة تسيي القضاء وارتباط عدد كبير من القضاة بأحزاب وتيارات سياسية، كان لها دور كبير في الانفلات الأمني اللبناني، وفقاً للباحث الأمني، “عرجة”، والذي أكد أن القضاء اللبناني بات في إجازة مفتوحة وأضعف من أن يمارس صلاحياته في ظل المنظومة الحالية، معتبراً أن الجناة ومرتكبي الجرائم في كثير من الأحيان يشعرون بانهم فوق القضاء، خاصة وإن كانوا مرتبطين بأحزاب ومتنفذين، في حين يراهن القسم الآخر من المجرمين على قلة نزاهة القضاء وعدم قدرته على القيام بواجباته.

ويضيف “عرجة”: “في العرف الإنساني أي دولة يكون فيها القضاء فاسداً أو مسيساً فإن تلك البلاد لن تقوم ولن يصلح حالها إلى بثورة حقيقية تهدم كل النظم القائمة في البلاد”، مشدداً على أن البحث عن أي حلولٍ للمعضلة اللبنانية بعيداً عن إسقاط تلك النظم هو مجرد ضياع للوقت.

Exit mobile version