جماعة الاخوان المسلمين، وبكل المقاييس هم الأقدم، الأكثر امتلاكًا للمال والتنظيم، بل والأكثر تشابكًا في العلاقات الدولية، ومع ذلك هم الأكثر سقوطًا كلما صعدوا.
نقول:
ـ الأكثر صعودًا كلما صعدوا.
ولنأت إلى الأمثلة.
صعدوا في مصر، واحتلوا ميدان التحرير بعد أن انتزعوه من القوى الديمقراطية والعلمانية في مصر، ثم صعدوا في ميدان رابعة، ثم وصلوا إلى حكم مصر، ثم… سقطوا.
صعدوا مع انطلاقة الثورة السورية التي التحقوا بها متأخرين، ثم استولوا على مؤسساتها وقياداتها، ثم سقطوا، وليس من دليل على سقوطهم يساوي التذمر الشعبي الذي يواجههم اليوم، وهو تذمر لا من القوى الديمقراطية والعلمانية فحسب، بل من الشارع على الوجه الأعم.. الشارع الذي يمثل البقّال والنجّار ومعلم المدرسة وبقية الناس.
صعدوا في تونس، ثم ركلتهم تونس إلى حيث لاعودة وكذا الحال في السودان والجزائر، أما عن فلسطين فقد مثلوا في غزة قوّة احتلال لاقوة شعبية.
ما السر في ذلك؟
هل هو سرّ العقيدة؟ أم هو سرّ الممارسة؟ أم هو سرّ البنية التنظيمية؟ أم ماذا؟
باختصار، لم تتقبل جماعة الاخوان المسلمين الشراكة، فالديمقراطية بالنسبة لها هي القطار الذي تصعد إليه من قاطرته الخلفية، وما أن تتقدم إلى القاطرة الأمامية فيه حتى تنزل بقية الركاب منه، وكان هذا كلام حسن حبنكي القيادي الاخواني السوري يوم تقدم بنصيحته الشهيرة:
ـ لاتقفوا في وجه القطار، اصعدوا فرجونته الأخيرة ثم استولوا على موقع القيادة فيه.
يحدث ذلك اليوم، في عالم لم يعد يحتمل العقيدة الواحدة، أو القيادة الواحدة، أو الفكرة الواحدة، فلا وعي الناس يسمح بمصادرة خياراتهم، ولا قيم السوق تسمح باستئثار بضاعة على بضاعة، ولا الحياة تقبل بذلك الاستئثار.
الجماعة لم تتعلم من التجربة ولم تتفهم دروس الحياة، أبسطه في أن تكون (جماعة وطنية)، ونعني بوطنية هنا، أن تكون جماعة ممتدة في جغرافية المكان الذي تنتمي إليه، وهذا ما حدث مع جماعة الاخوان في سوريا، فحين كان الخيار ما بين مرجعيتها التركية وحقائق الحياة السورية، اختارت المرجعية التركية إلى الدرجة التي هللت لاحتلال تركيا لأراض سورية، ونظّرت لطرد السوريين واضطهادهم في تركيا، وفردت ألعلم التركي فوق المساحات التي تخضع لنفوذها في الاراضي السورية، ولو حدث استطلاع رأي ما بين الجماعة لاختارت اللغة التركية بديلاً عن اللغة العربية، فكانت النتائج هذا السقوط الأخلاقي لهذه الجماعة والذي لن يسمح لها ثانية باحتلال أي موقع في صدارة المشهد الأهلي السوري.
مشكلة الجماعة أنها جماعة.. ليست وطنًا.. ليست أمة.. وليست قومية.. هي كل تلك الـ (ليست)، وفوق ذلك فلن تكون قادرة على أن تكون :
ـ عابرة للقارات والبلدان والطوائف.
هي ليست.. ليست فقط.
مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.