مرصد مينا
بعد أن انتشرت في العراق “جماعة القربان” التي تدعو للانتحار تقربا للصحابي علي بن أبي طالب، رُصدت في الأيام القليلة الماضية في لبنان ظاهرة غريبة تتعلق بحادثة انتحار في منطقة حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت إذ أقدم الشاب علي عصام فرحات من بلدة كفررمان، في 29 حزيران/ يونيو الفائت، على رمي نفسه عارياً من منزله الواقع في الطبقة الثالثة لتتبعه بعد أقل من 24 ساعة زوجته فاطمة التي أصيبت بكسور ورضوض من دون أن تفارق الحياة.
وكان علي فرحات عاد من كندا قبل حوالى أسبوعين برفقة زوجته ومولودهما الجديد. وفور وقوع الحادثة، لم يربط البعض بين حادثة الانتحار وارتباط الوالد والوالدة بما يسمى “جماعة القربان” التي وقعت قرعتها على علي وعائلته ليقدموا أنفسهم قرباناً للأمير، بل جرى الحديث عن معاناة علي من مشكلة نفسية.
غير أن صحيفة “نداء الوطن” ذكرت أن الأهل أصيبوا في وقت لاحق بصدمة ولم يصدّقوا أن يكون علي وزوجته تسرّبت إليهم هذه الأفكار القاتلة لـ”جماعة القربان”. ونقلت الصحيفة عن عم علي قوله “إن والده صُعق حين عرف أن ابنه ينتمي إلى هذه الجماعة من خلال محادثة على هاتفه الخلوي”.
في المقابل، أصدر أهل الفقيد بياناً في الساعات الماضية، نفوا فيه ما ورد في الصحيفة المذكورة، ولفت البيان إلى “أن أغلب ما ورد في المقال هو محض تكهّنات وفرضيات وبعضها أكاذيب… وإن ذكر الجهة الدافعة وراء القتل هي فرضية غير مقرونة بأي معلومة أو إشارة”.
يشار أنه برزت مؤخرا في العراق، وتحديدا في محافظة ذي قار الجنوبية حركات “دينية” وصفت بأنها “منحرفة” وأثارت قلق الأهالي لكون بعضها تعتقد بأن الانتحار “شعيرة مقدسة” يجب على الأتباع المواظبة عليها, وآخر هذه الجماعات التي سجلت ظهورها على الساحة المحلية في المحافظة هي “جماعة القربان” أو ما يعرف بـ”العلاهية”.
مصدر أمني رفيع بسحب وكالة “شفق نيوز” قال إن “جماعة القربان ظهرت قبل ثلاث سنوات، وهي تنحدر من (السلوكية) التي تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يبيح تبادل الزوجات بين أعضاء الحركة، وقد اعتقلت القوات الامنية أربع عوائل في قضاء الإصلاح ينتمون لهذا القسم في الحركة السلوكية، والقسم الثاني يمثل القربان أو العلاهية اختصاراً لـ” علي اللهية” وهي حركة دينية يعتنقها الشباب الذين يعتقدون بألوهية علي بن أبي طالب ابن عم نبي الإسلام، وأحد أبرز شخصياته وبخاصة عند المسلمين الشيعة، كما أن فكر هذه الجماعة يقوم على أساس القربان (التضحية بالنفس) الذي يقدم في المناسبات الدينية”.
المصدر يذكر أن “القربان لدى هذه الجماعة يتم من خلال إجراء قرعة بأسماء اتباعها ومن يظهر اسمه في القرعة ينتحر في موكب حسيني يعود للجماعة”، موضحا أن “اغلب المنتمين لجماعة القربان اعمارهم تحت العشرين سنة، كما ان أعلى تحصيل دراسي لديهم لغاية الآن هي شهادة السادس الابتدائي فما دون”.
الكفاح المسلح
المصدر يضيف: “الجماعة استمدت فكرة عقيدتها بعد ترددها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال السنوات الماضية اثناء زيارة الامام علي بن موسى الرضا سيرا على الأقدام ومرورهم بالعديد من المدن الايرانية، حيث يستمر السير داخل ايران قرابة 50 يوماً حتى الوصول إلى الضريح المقدس في مدينة مشهد”، لافتا إلى أن “هذه الجماعة بدأت أفكارها تتوغل في العديد من المواكب الحسينية الشهيرة في محافظة ذي قار”، متوقعاً ان “هناك فكرة متولدة لدى القوات الامنية بوجود أسلحة لدى غالبية أنصار هذه الجماعة وهي مستعدة للدفاع عن فكرتها ونهجها بالسلاح”.
جذور الجماعة
يقول الباحث الاجتماعي، رشيد السراي بحسب وكالة شفق نيوز إن “جماعة القربان تعود جذورها بحسب تحليلي الشخصي إلى ممارسات (الشور) التي برزت بشكل أكبر في قضاء سوق الشيوخ جنوبي ذي قار، قبل سنوات”.
ووفقاً للسراي فإن جماعة “الشور” ينظمون القصائد الحسينية بأسلوب “محل جدل كبير نظراً للتجاوزات العقائدية الكبيرة فيما تتضمنه، وما تنسبه للأئمة وأبنائهم من معتقدات لا يقول بها المذهب الشيعي ولا يقبل بها، وتصنف كنوع من أنواع الغلو المحرم شرعاً”.
ويشير السراي إلى أنه “رغم إعلان أشهر منشديهم توبته حينها إلا أن التأثير على الشباب بقي موجوداً وتغذيه جهات معينة داخل البلاد وخارجه، في حينها حذرنا من ذلك وطالبنا بمحاسبة هؤلاء لوقف تنامي الحالة”.
“ألوهية الإمام”
السراي يذكر “عادت اليوم هذه الحالة مجدداً بمدعيات أكبر تنسب الإلوهية للإمام علي بشكل صريح من قبل مجموعة القربان التي ألقي القبض على عدد من أتباعها”.
ويؤكد “بحسب مصادر فإن الجهة التي تدعم هذه الجماعة موجودة خارج البلد وتحديداً في مدينة مشهد الإيرانية، لكن لا يوجد ما يؤكد هذه المعلومات، والأمر لا يقتصر على هذه المجموعة، فإن صحت المعلومات فهناك بالتأكيد مجموعات أخرى في محافظات أخرى”.
الانتحار ليس عقيدة
ويستبعد السراي “فكرة القول بأن من منهجهم التضحية والقربان والتحقيقات الأمنية لم تؤكد ذلك بعد، وربما اختيار المجموعة لاسم (القربان) وظهور حالات انتحار ضمنها هو الذي رسخ هذه الفكرة المستنتجة كما يبدو ولا يوجد دليل عليها خاصة وأن اغلب الجهات المرجح إنها تدعم هذه المجموعات لا يوجد في فكرها وطرحها فكرة تقديم القرابين ولم تفعل ذلك”.
أسباب الظهور
ويتابع السراي حديثه “هناك جملة امور أدت لظهور هكذا مجاميع، من أبرزها استغلال عاطفة الشباب وحماستهم وجهلهم لطرح أفكار غريبة جاذبة في مجال (الشور) بالذات التي فيها مستوى مرتفع من الحماسة، كما ان الوضع الاقتصادي والفراغ وجاذبية الانتماء لجماعة خاصة ذات معتقدات سرية تعد من أسباب ذلك”.
ويؤكد “لا نستبعد احتمال تطور بعضها إلى مجاميع مسلحة ذات أهداف تشابه أهداف مجموعة جند السماء وأمثالها”، مشيراً إلى ان “الحلول تجاه هذه المجاميع ينبغي أن تكون أمنية وفكرية في نفس الوقت ومحاولة التكلم مع هؤلاء الشباب لثنيهم عن معتقداهم الخاطئة هذه”.
الموقف القانوني
يقول الخبير القانوني محمد علي، بحسب المصدر نفسه إن “الدستور العراقي وقانون العقوبات والقوانين الخاصة جرّمت ظهور مثل هذه الحركات”، مؤكدا ان “العقوبات الجنائية لها قد يصل بعضها إلى السجن المؤبد او الاعدام”.
ويوضح “الدستور العراقي النافذ وكما ورد في المادة السابعة منه يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبالتالي هذا النص ينطبق على مسألة قضية جماعة القربان او ما يعرفون بالعلاهية”.
ويضيف علي “أما بالنسبة لقوانين العقوبات النافذة، فإن وضع الجماعة الحالي تنطبق عليه أحكام المادة 372 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي اشارت إلى أن عقوبتهم تكون الحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات او الغرامة المالية”.
الخبير القانوني يرى أن “هذه العقوبات قاصرة بسبب ضعفها، وكان الأجدر بالمشرع اللجوء إلى تعديل المادة وتشديد عقوبتها من خلال التوسع في نطاقها وعدم الاكتفاء بالصور او الحالات الست التي ذكرتها المادة أعلاه في صلب القانون العقابي”.
ويشير إلى انه “يمكن أن تكون العقوبة السجن المؤبد او الاعدام في حال اقدمت هذه الجماعة او مثيلاتها على رفع السلاح بوجه الأجهزة الامنية الحكومية، لأن القانون يكيف مثل هذه الحالات على أنها جرائم إرهابية وي