مرصد مينا- هيئة التحرير
بينما يترقب السودانيون نتائج الوساطة المدعومة من الخارج لإنهاء الأزمة في البلاد، بعد إعلان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق “عبد الفتاح البرهان” السيطرة على الحكم من خلال تولي الجيش للسلطة، وحلّ مؤسسات الفترة الانتقالية بما فيها مجلس السيادة الذي يرأسه بنفسه، تتضارب الأنباء حول توصل رئيس الوزراء السوداني المعزول “عبد الله حمدوك” إلى اتفاق مع العسكريين الذين أطاحوا بحكومته للعودة إلى منصبه.
وفي الوقت الذي تبدو فيه شروط “حمدوك” في الاتجاه المعاكس لمقترحات البرهان، يرى مراقبون أن الضغوط الداخلية والخارجية قد تجبر الأخير على القبول بشروط “حمدوك” المدعوم دولياً وإعادة السلطة في يد الحكومة المدنية، خاصة في ظل مؤشرات التحوُّل على الموقف الأمريكي، وسط دعوة مبعوث واشنطن إلى القرن الأفريقي، “جيفري فيلتمان”، إلى إلغاء جميع إجراءات البرهان، و”إيجاد طريقة للعودة إلى مرحلة انتقالية تشمل كلاً من العسكريين والمدنيين”، في حين يتوقع آخرون استمرار الأزمة نتيجة رفض العسكريين التنازل.
المعتقلين على خط المفاوضات.. من يتنازل؟
نقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر اليوم الأربعاء، أن رئيس وزراء السودان المعزول “عبد الله حمدوك” وافق على العودة إلى قيادة الحكومة السودانية، لكنه اشترط الإفراج عن المعتقلين السياسيين، فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر قريب منه قوله، إنه لم يتوصل إلى اتفاق مع القادة العسكريين، وأن المحادثات ما زالت جارية.
يشار إلى أن “حمدوك” قد قال، مساء الإثنين الماضي، إن إطلاق سراح الوزراء المعتقلين وعودة حكومته لمباشرة عملها يشكلان “مدخلاً لحل الأزمة” الناجمة عن الانقلاب في السودان، بحسب ما أوردت وزارة الإعلام في الحكومة المقالة.
وسبق لرئيس الوزراء أن أكد أنه “لن يكون طرفاً في أي ترتيبات وفقاً للقرارات الانقلابية”.
في سياق متصل قال محامي الوزراء والقياديين المعتقلين، “كمال الجيزولي”، في وقت سابق، إنهم لا يزالون في مكان مجهول، مشيراً إلى أنه يخشى على صحتهم.
وأضاف الجيزولي “توجهنا إلى النيابة ظناً منا أنهم محتجزون هناك، ولكننا لم نجدهم”، مؤكدا أن هؤلاء المحتجزين “في أسوأ وضع قانوني ممكن حالياً” لأنهم في مكان غير معلوم، ولم توجه إليهم أي اتهامات بعد، ولم تتم تسمية محققين علناً للتحقيق معهم.
كما دعا “الجيزولي”، كل من يقومون بمحاولات وساطة لحل الأزمة، أن يطالبوا “البرهان” بالإعلان عن مكان وجود الوزراء والسياسيين المعتقلين”.
وترفض قوى الحرية والتغيير، وهي الكتلة الأكبر في معسكر المدنيين المنبثقة عن انتفاضة 2019 على عمر البشير، أي مناقشة طالما لم يتم إطلاق المحتجزين ولم تتم العودة إلى خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها لتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين” عقب إسقاط البشير، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أحد المفاوضين رفض الكشف عن هويته.
رغم إقرار المحلل السياسي “خالد عبد الرؤوف” أن البرهان يرى أن وجود “حمدوك” في الحكومة الجديدة التي يريد تشكيلها، مفتاحا لكسب المصداقية في الشارع، إلا أنه يستبعد أن يتم الإفراج عن الوزراء المعتقلين والسماح بإعادة تعيين بعضهم، معتبرا أن حل الأزمة الحالية يتطلب تنازل “البرهان” أو “حمدوك”.
ويتوقع “عبد الرؤوف” أن يسعى البرهان خلال المفاوضات إلى منح “حمدوك” صلاحيات أكبر، لكن مع حكومة جديدة أكثر قبولا للجيش ولا تتضمن أي من الوزراء المعتقلين، مشيرا إلى أن العسكريين يسعون لأن يكون الجيش مسؤولا عن مجالس الأمن والدفاع التابعة للحكومة.
ويشدد “عبد الرؤوف” على أن سبب الخلاف بين الجيش والسياسيين يكمن حول التعيينات الوزارية، مستبعدا أن يلقى أي اقتراح يقدمه البرهان قبولا لدى حمدوك.
يذكر أن الغموض كان أحاط مصير “حمدوك”، بعدما ألقت “قوة عسكرية”، في 25 أكتوبر الماضي، القبض عليه مع كثير من وزرائه قبل أن يعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الأسبوع الماضي حل مؤسسات الحكم الانتقالي، التي شكلت بالشراكة بين الجيش والمدنيين عقب إسقاط عمر البشير في 2019 إثر انتفاضة استمرت خمسة أشهر.
وأعيد حمدوك إلى منزله في اليوم التالي للانقلاب، لكنه وضع قيد الإقامة الجبرية.
الحاضنة الشعبية تحسم الجدل
يقول الباحث في الشأن السوداني، “مصطفى عرابي” إن الانقلاب في السودان لم يكن له حاضنة شعبية حقيقية”، معتبرا أن “التحركات المسلحة التي جاءت بأنصارها من دارفور، والقبائل التي استُحضرت من بعض المناطق، هي التي استطاعت أن تشكّل رافعة لعودة الحكم العسكري المؤقت”.
وبحسب “عرابي” فإنه ليس للانقلاب أي “مشروع مدني” مقنع داخلياً وخارجياً، بحيث يمكن للجنرالات أن يأتوا بـ”حكومة كفاءات مدنية مستقلة” قادرة على متابعة خطط حكومة “حمدوك” لإصلاح الاقتصاد، معتبرا أن كل ذلك سيزيد من الضغط على البرهان للتنازل بغية التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة في البلاد.
بالإضافة إلى ما سبق، يرى الباحث السوداني “مصطفي عرابي”، أن الانقلابين تبيّنوا أن الجهات الخارجية التي اعتقدوا أنها تساندهم، أيّاً تكن أهدافها، لا يمكنها إنجاح حركتهم عن بُعد ما لم تكن بدائلهم موجودة وفاعلة عن قرب.
ويضيف، “حتى الالتباس في الموقف الأمريكي ما لبث أن تبدّد بما أعلنه الرئيس جو بايدن وقبله وزير خارجيته أنتوني بلينكن ومبعوثه الخاص الذي اتهم البرهان بخداعه”.
يشار إلى أن مبعوث واشنطن إلى القرن الأفريقي، “جيفري فيلتمان”، دعا قبل أيام إلى إلغاء جميع إجراءات البرهان، و”إيجاد طريقة للعودة إلى مرحلة انتقالية تشمل كلاً من العسكريين والمدنيين”.
وقال “فيلتمان” من واشنطن، أنه لا يستطيع مغادرة بلاده في الوقت الراهن بسبب الاضطرابات في السودان وفي إثيوبيا، على رغم إعلان الحكومة السودانية المُقالة عن وصوله قريباً إلى الخرطوم، منوها إلى إنه غادر العاصمة السودانية مساء الـ24 من تشرين الأوّل بعد عدّة اجتماعات مع البرهان وحمدوك، ولكنه فوجئ بأن العسكريين “الذين تكلّموا معنا بسوء نية”، كانوا يقولون إنهم “يريدون التوصُّل إلى حلٍّ لمخاوفهم بطريقة دستورية، وفي واقع الأمر بمجرّد أن غادرنا، قلبوا طاولة المفاوضات وقاموا بانقلاب عسكري”، مجدِّداً دعوة حكومة بلاده لـ”إعادة الحكومة وإطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين”.
الدعوة الأميركية، جاءت توازياً مع إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى الخرطوم “فولكر بيرثيس” استكمال جهود “الوساطة” في السودان وفي الخارج، لإيجاد مخرج للأزمة في هذا البلد، مشدّداً على ضرورة العودة إلى “مراحل الانتقال السياسي كما شهدناها قبل 25 تشرين الأول”.
في السياق نفسه، أعلنت بريطانيا أنها طلبت عقْد جلسة خاصة طارئة لـ”مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة في شأن السودان. وأيّدت القرار 30 دولة، منها الولايات المتحدة، فيما وصف سفير لندن لدى الأمم المتحدة في جنيف، “سايمن مانلي”، “أفعال الجيش السوداني بأنها بمثابة خيانة للثورة والعملية الانتقالية وآمال الشعب السوداني”.
تعليقا على ذلك، يؤكد “عرابي” أن الظروف الداخلية والخارجية ستبقى غير مواتية لترك الانقلاب يأخذ مجراه، معتبرا أن الأمور تتجه للتوصل إلى تسوية سياسية بما يضمن إرضاء المكون العسكري عبر إبعاد القوى الحزبية من العمل التنفيذي، والاستجابة لمطالب الشباب بتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الإجراءات الاستثنائية المتبعة والإفراج عن المحبوسين وتشكيل حكومة بعيدة تماما عن أي توجهات للمكون العسكري.
ويشير “عرابي” إلى أن “البرهان” يواجه ضغوطا لإعادة السلطة للمدنيين، متوقعا أن يتم الإعلان عن حكومة تكنوقراط ترضي تطلعات الناشطين في غضون أسبوع، مشيرا إلى أن الأحداث الأخيرة كشفت أن الناشطين أكثر تنظيما الآن بفضل تجربة 2019، ويحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على العسكريين.