مرصد مينا – هيئة التحرير
مع مرور قرابة الأسبوع على دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، تبحث الأمم المتحدة خلال اجتماع ستعقده اليوم، الثلاثاء، في بروكسل، بمشاركة حكومات ومنظمات دولية، جمع ما يقارب 10 مليارات دولار لمساعدة السوريين في الداخل والخارج، لا سيما في ظل تصاعد التحذيرات من مجاعة وشيكة قد تضرب سوريي الداخل.
وكانت الولايات المتحدة قد أقرت قانون عقوبات قيصر ضد النظام السوري ومؤسساته على خلفية ما قالت إنه جرائم ضد الإنسانية تم ارتكابها داخل المعتقلات السورية، خلال العامين 2011 و2012، على خلفية اندلاع الثورة في البلاد.
جوعى بالملايين
توصيفاً للكارثة الإنسانية الوشيكة المحيطة بالشعب السوري، يستبق بيان صادر مجموعة منظمات إنسانية، الاجتماع بالتأكيد على وجود نحو 9.5 مليون سوري يعيشون ضمن خط الجوع حالياً، لافتاً إلى أن الظروف الحالية تهدد أيضاً ما يصل إلى مليوني شخص إضافيين بالمجاعة.
ومن بين المنظمات الموقعة على البيان، المجلس النرويجي للاجئين و منظمة أوكسفام وكير وميرسي كوربس.
وكانت إحصائيات الأمم المتحدة قد كشفت عن وصول نسبة الفقر في سوريا نهاية العام 2019 إلى أكثر من 83 بالمئة، في حين كشفت تقارير إعلامية عن تصاعد عمليات بيع السوريين لأعضائهم مقابل الحصول على المال لتأمين لقمة العيش، لافتةً إلى أن سعر الكلية وصل إلى 30 مليون ليرة.
إلى جانب ذلك، يؤكد البيان على أن معدلات انعدام الأمن الغذائي في سوريا، ارتفعت بنسبة 42 بالمئة خلال العام 2019، ما يشير إلى أن البلاد دخلت فعلياً مرحلة الجوع، مشدداً على أن السوريين باتوا بأمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية أكثر من أي وقتٍ مضى.
خلافاً لما تروجه وسائل إعلام النظام، ذهب بيان المنظمات، إلى أن الحالة الإنسانية وسوء الأوضاع المعيشية في البلاد، لا تزال آخذة بالتدهور، على الرغم من تراجع حدة العمليات العسكرية في البلاد منذ شهر، في إشارة إلى أن الأزمة الحالية لا ترتبط بالتوتر الأمن والحرب.
وشهدت الأسابيع الماضية، تصاعداً للخلافات بين رأس النظام “بشار الأسد” وابن خاله، رجل الأعمال، “رامي مخلوف”، الذي هدد صراحةً عبر مقطع فيديو، باستهداف الاقتصاد السوري في ظل استمرار تعرضه لمضايقات من الدائرة المقربة من “الأسد”، لافتاً إلى أن النظام والاقتصاد لن يتمكن من تحمل تبعات سياساته ضد شركات “مخلوف”.
ضحايا النظام وسياساته
في الوقت، الذي تنشغل فيه السوريين بالحديث عن قانون قيصر وآثاره، يؤكد مصدر سوري مطلع، أن القانون لا يساهم سوى بـ 20 بالمئة من الأزمة المعلنة والتي ينصب معظمها على هياكل النظام، موضحاً: “خطة النظام قائمة الآن على تعميق الأزمة الإنسانية وتشديدها، بهدف إحراج الولايات المتحدة وإظهار أن كل ما تعانيه سوريا اليوم سببه قانون قيصر، وبالتالي فإن النظام بدأ يجند آلته الإعلامية لإظهار الأزمة المعيشية وربط كل مشاكله الاقتصادية وفساده بالقانون”.
كما يذهب المصدر، الذي فضل عدم ذكر هويته لدواعي أمنية، إلى أن تفاقم الأزمة يكمن بالدرجة الأولى بحالة الصراع الداخلي بين العائلة على السلطة الاقتصادية، مؤكداً على أن الذراع الاقتصادية السابق للنظام، “رامي مخلوف” يقود عبر مجموعة من أعوانه داخل سوريا حرباً ضروس ضد الليرة من خلال المضاربات في السوق السوداء.
وكان سعر صرف الليرة قد سجل انهياراً تاريخياً أمام الدولار، بـ 3500 ليرة للدولار الواحد بعد أسابيع قليلة، من بروز خلافات “الأسد-مخلوف” إلى العلن، بعد أن كان سعر صرفها يتراوح بين 750 إلى 900، ليرة أمام الدولار، طيلة 8 سنوات من الحرب.
في السياق ذاته، يشير المصدر إلى أن العامل الثاني للأزمة يتمثل في بيع النظام كامل مفاصل الاقتصاد الحيوية لحليفه الروسي، وبالتالي فقدانه لكامل مداخيل القطع الأجنبي، خاصة وأن عقود الاستثمار التي وقعتها الشركات الروسية تمتد لعقود وتشمل قطاعات الثروة الباطنية والسياحة والموانئ وإدارة المطارات.
وكان النظام السوري قد أعلن قبل أيام عن توقيع اتفاقية، أجر بموجبها محطة الحجاز التاريخية لشركة روسية، في عقد يمتد لمدة 45 عاماً، مقابل عائد سنوي 3 مليارات ليرة.
شماعة الحرب ومطاردة اللاجئين
تطور الأحداث في سوريا خلال العامين الماضيين، وتراجع وتيرة الأعمال القتالية بعد استعادة النظام السيطرة على معظم مساحة البلاد، يرى فيها المحلل السياسي، “حسام يوسف”، مؤشراً على أن الحرب ليست سوى شماعة يخفي وراءها النظام فشله الاقتصادي، لافتاً إلى أن الحرب تقريباً توقفت وانتهت في 90 في المئة من مساحة سوريا، ولكن الأزمة الإنسانية آخذة بالاتساع والانتشار كالنار في الهشيم.
وكان النظام السوري قد اعلن خلال السنوات الماضية، الحجز على أموال عدد كبير من المسؤولين فيه بينهم وزراء، بتهمة الفساد، في حين ذكرت أنباء تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن رئيس حكومة النظام السابق، “عماد خميس”، كان آخر الموقوفين على ذمة قضايا الفساد، وانه مودع الآن في أخد السجون.
عمليات الحجز واعتقال المسؤولين، لا تتعدى كونها ذر للرماد في العيون، ومحاولة من النظام لجمع الأموال، التي سرقها مسؤولوه، على حد وصف “يوسف”، مشيراً إلى أن محاربة الفساد الحقيقي تكمن في محاسبة رؤوس المافيات الكبرى في البلاد، التي تسيطر فعلياً على الاقتصاد، من أمثال “مخلوف” و”ذو الهمة شاليش” و”محمد حمشو”، بالإضافة إلى مافيات التهريب وتجارة السلاح من أبناء عمومة رأس النظام.
كما يكشف “يوسف” عن وجود قلق في الأوساط السورية، حول عدم اكتفاء النظام بمطاردة السوريين في الداخل ونهب أموالهم ومصادرة ممتلكاتهم بذرائع مختلف، والانتقال إلى مطاردة اللاجئين، من خلال فرضه رقابة على الحوالات، التي يرسلونها لذويهم في الداخل، من خلال إجبارهم على إرسال تلك المبالغ عبر مكاتب معتمدة من قبله، تقوم بصرف الدولار على السعر المحدد في البنك المركزي بـ 750 ليرة، بدلا من السعر الحقيقي الذي يصل حالياً إلى 2500 ليرة، ما يحول النظام إلى مستفيد من قيمة الحوالة أكثر من المستفيد ذاته.
وسبق لناشطين سوريين أن حذروا خلال الأسابيع الماضية، من موجة ملاحقة تشنها قوات أمن النظام بحق العاملين في مجال التحويل ومتلقي الحوالات من الخارج، موجهةً لهم تهماً بتمويل الإرهاب، كذريعة لمصادرة أموالهم.