fbpx

جيش وطني أم انكشارية جديدة؟

في حربه مع تشاد، نهاية سبعينيات القرن الفائت ومطلع ثمانيناته، طلب الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي من حليفه أحمد جبريل (لابد من وضع مصطلح حليفه بين قوسين فالصبي غير الحليف)، طلب منه إرسال مقاتلين لمساندة الجيش الليبي، يومها كان أحمد جبريل يقبض مخصصات آلاف المقاتلين وهي مخصصات يدفعها القذافي.

في واقع الحال عجز جبريل عن إرسال عشرات المتطوعين، مما كشف عن خداعه للقذافي، كما كشف عمليات النصب المالية التي يمارسها أحمد جبريل على (معلّمه).

اليوم، يطلب أردوغان من حليفه (الجيش الوطني السوري)، الذهاب إلى ليبيا للقتال، والانضمام إلى لعبة المحاور، أما عن الفارق ما بين أحمد جبريل و “الجيش الوطني”، فهي أن أحمد جبريل نصاب، فيما الجيش الوطني “انكشاري”، وانكشاريته تعيد الى الذاكرة التاريخية تلك اللعبة السلطانية التي قتل بموجبها عشرات آلاف الناس ممن لايحملون قضية سوى قضية الارتزاق، دون نسيان أن ارتزاق الانكشارية كان في لحظة ما قسريًا وناتج الخدمة الالزامية في جيش السلطنة، أما الانكشارية ها هنا فهي طوعية وسقف ثمنها مرتبات تتراوح ما بين 800 دولار إلى الفي دولار أمريكي، وهي أثمان من سيعودون جثثًا، أو سيفتكون بالجثث.
جيوش المرتزقة، ليست جديدة على العالم، ربما أبرزها مجموعات بلاك ووتر، ورجب الطيب أردوغان رجل استثمارات بارع، وها هو يستثمر في السوريين، مرة عبر التحريض على حروب أهلية يقدم لها ما يلزم من وقود الاحتراق، ومرة عبر تجييشه لمن لم تسعفه إمكانياته بأن يكون جيشًا وطنيًا على العكس من اسمه، وقد بات جيشًا مرتزقًا يخوض معارك على الجانب الآخر من المتوسط في معركة هي معركة جماعة الإخوان المسلمين الذين اختاروا أردوغان ليكون إمامهم.
تلك هي تجليات الحالة السورية بما آلت إليه من فظائع، ربما سيكون لهذا الجيش مكانه فيها وقد لعب دور الذراع التركية بدءًا من الغزوات التركية المباشرة للأراضي السورية (“درع الفرات” 2016، و”غصن الزيتون” 2018)، وأخيراً عدوان نبع الإرهاب (التي تسميها تركيا وأتباعها بـ “نبع السلام”) ضد شمال شرق سوريا، جرى تسمية الجماعات المسلحة السورية العاملة بإمرة الاحتلال التركي بـ”الجيش الوطني السوري”، تلك التسمية التي اخترعتها تركيا والائتلاف السوري المعارض- وأذرع شبكة الإخوان المسلمين المختلفة وفضائية الجزيرة القطرية وملحقاتها لتلك الميليشيات “السورية”.

الجيش الوطني!!

أية تسمية هذه وقد أطلقت على مجموعة من المرتزقة قادمون من خلفيات إخوانية أو سلفيّة جهاديّة (جيش الإسلام، فيلق الشام، أحرار الشام، أحفاد الرسول، شهداء بدر، جيش المجاهدين، لواء التوحيد، الجبهة الشامية، جيش النصر….) أو فصائل تركمانية تأسست بدعم وتمويل مباشر من تركيا تُكنّى بأسماء السلاطين العثمانيين أو زعماء أتراك لهم مكانة بارزة في الوعي التركي (لواء السلطان مراد، حركة نور الدين الزنكي – لها مكونين مندمجين: سلفي جهادي وآخر إثنيّ تركماني تركمانيّ- ولواء السلطان سليمان شاه، لواء سمرقند، ورموز عثمانية /تركية أخر.
ما يحدث هو أن المخابرات التركية كانت قد تمكنت من وضع يدها على كامل الفصائل المسلحة في شمال سوريا، وقامت بجمع كل المسلَّحين المهزومين أمام النظام السوري من مناطق أخرى في الداخل السوري (ريف دمشق، حمص…) ووجهتها مبدئيًا نحو عدوٍ جديد لها، هو “قوات سورية الديمقراطية”، بعد الاستسلام أمام عدوهم الأساسي الذي حملوا السلاح ضده أساساً وكان مبرر وجودهم، وهو النظام السوري. وبنفس الوقت تستخدم تركيا عوائل هؤلاء المسلحين كنواة أساسية لمشروع التوطين في مناطق تختارها تركيا لهم، وأبرز مثال على هذه الخطة التركية هو ما جرى ويجري في منطقة عفرين الكردية السورية شمال غرب حلب، حيث جرى توطين المئات من عوائل المسلحين في منازل سكان عفرين الأصليين المهجرين قسراً، وحققت جزءاً كبيراً من مشروعها في التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في منطقة عفرين، وهو ذات المشروع الذي تنوي تركيا تحقيقه في مناطق الجزيرة السورية (شرق الفرات).
كانت تلك المرحلة الاولى من مهام هذا الجيش، غير أن مهامه التالية قد اتسعت اليوم مع الحرب الليبية يوم قرر أردوغان الدخول فيها باعتباره أبرز رعاة جماعة الاخوان.
بلاك ووتر جديد، ولكن في رداء الانكشارية .
تلك هي الحكاية.. والمسمى:

ـ جيش وطني سورية. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى