“حرائق تحت السيطرة”، هي واحدة من الحرائق التي تشتغل عليها الكثير من أجهزة الاستخبارات الضليعة بنثر الرماد لتغييب حقيقة المشهد.
الاستخبارات التركية، ليست أقل خبرة في إضرام هذا النوع من الحرائق، ففي واحدة من التسجيلات المسرّبة، وهي موجودة على يوتيوب، مكالمة يعود تاريخها إلى 2016 جمعت أربع شخصيات بارزة في الحكومة التركية وهم العسكري فريدين أوغلو، وأحمد داوود اوغلو وكان رئيسًا للوزراء، مع الجنرال باشار مولاد، كما رجل الاستخبارات الاكثر شهرة ونعني هاكان فيدان، مختصر المكالمة، كيف نرسل أربعة عسكريين إلى مناطق سورية ونلقي ثمانية صواريخ على أراض تركية فارغة، وهذا سيمنحنا الغطاء للولوج العسكري في الأراضي السورية.
تفجير شارع الاستقلال، قد يكون من فصيلة “حرائق تحت السيطرة”، فالقتلى مدنيون، والخسائر قابلة لاعتبارها خسائر جانبية متواضعة مع الأهداف الأوسع، غير أن ثمة الكثير مما يتسوجب التوقف عنده:
ـ اولها أن الفتاة التي اعتبرت سورية / وقد تكون كذلك / كانت قد دخلت الاراضي التركية متسللة وكان هذا قبل الواقعة بأسبوع واحد، فكيف تسنّى لأجهزة الاستخبارات اكتشاف مكانها، وهي ليست مسجّلة، ومجهولة من قبل الحكومة التركية، واالطبيعي أن يكون مكان إقامتها مجهولاً؟
من الوارد تتبعها عبر كاميرات المراقبة، وبالتالي لايبنى على هذا الكثير من الاخذ والرد.
ولكن، كيف رصدت الاستخبارات التركية صلة 46 شخصًا شريكًا للفتاة، وإذا كان هذا الرصد ممكنًا، فما معنى أن لاتقبض الاستخبارات التركية عليهم قبل تنفيذ العملية وهي على دراية بضلوعهم في التخطيط وتنفيذ التفجير؟
من الممكن تجاوز مثل هذا الأمر أيضًا، ولكن السؤال الأبرز:
ـ أيّة عملية لابد وتطرح سؤالاً جوهريًا :
من المستفيد؟
أي متتبع للحال التركي يعرف بالتمام والكمال أن الحزب المنافس لأردوغان في الرئاسيات التركية المقبلة هو “حزب الشعوب الديمقراطي”، وهو حزب يتعاطى مع القضية الكردية في تركيا من موقع هادئ، وعلى مسار حلّ هذه المسألة التي تعترض أردوغان وسياساته، وعملية إرهابية على هذا النحو، إن التصقت بالكرد، أي كانوا الكرد، ستؤدي الى إضعاف هذا المنافس.
ـ ثانيًا: كان أردوغان وعلى الدوام يشتغل على اجتياحًا للشمال السوري، ليضع هذا الشمال تحت مظلته وسلطته، وهو ماسيتعارض مع الحماية الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية، ما يعني أن الاشتباك التركي مع هذه القوات يعني الاشتباك مع القوات الأمريكية، وهذا سيشكل حرجًا للحكومة التركية، وتركيا واحدة من مفردات الناتو.
ـ ثالث الأسئلة يتصل بالنزوح السوري إلى تركيا، ولابد من إلباس هذا النزوح ثوب “التهديد الأمني لتركيا”، وستكون جنسية الفتاة المفترضة طريقًا واسعًا لتطريز هذا الثوب، ومنح أردوغان الذريعة الكافية للاشتغال على مشروعه بإعادة النازحين السوريين إلى أراض سوريّة و “تحت نفوذه”.
والأمر االذي يمكن إضافته إلى ماسبق، أن “عفرين” السورية مازالت خارج السيطرة التركية، وقد تقاسمتها جبهة النصرة مع الجيش الوطني، وبالتالي فهي حتى اللحظة جيبًا خارجًا عن المعطف التركي.
عملية “شارع الاستقلال” ستوفر كامل المعطيات لاجتياح تركي لمنطقة عفرين وأجزاء أخرى من الشمال السوري، فيما سيواجه حلفاء قوات سوريا الديمقراطية ورعاتهم الكثير من الاحراج في حماية هذا التنظيم العسكري، ويمهّد الطريق واسعًا للقوات التركية لاجتياح مناطق سوريّة ممتدة على طول الشمال السوري.
كل ماسبق، يشير إلى حجم الفوائد في الاستثمار بتفجير ينال من مدنيين يتسوقون، ويحلمون، ويرغبون في الحياة.
اليوم، التهمة ملتصقة بـ “كوباني”، ومن بعدها سيكون الاجتياح شبه المؤكد.
ينتهي الاجتياح وتنسى الحكاية، ومع نسيان الحكاية يُنسى اسم البنت، وتنسى التفاصيل، وينسى ضحايا التفجير، وما سيتبقّى في المشهد:
ـ مصفحّات تركية، مصحوبة براجمات صواريخ وطائرات بيرقدار، وقد:
ـ أسقط الشمال السوري بأيدي الأتراك، وأضيفت ورقة انتخابية للرئيس أردوغان وسط جماهير تركية تصرخ:
ـ أخرجوا السوريين من تركيا.