مرصد مينا
هي هدنة سيرحب بها “الغزاويون” القابعون تحت الدمار أو احتمالات الدمار أقله لما لايزيد عن أسبوع، دون استبعاد أن تتحول الهدنة إلى فرصة لـ”حماس” لا لتقاط أنفاسها وتنظيم صفوفها، أما عن حكومة بنيامين نتنياهو فالواضح من الغامض فيها أن حكومته وخلية الحرب الإسرائيلية أُخضِعت لهذه الهدنة مدفوعة بعاملين:
ـ أولهما ضغط عائلات الأسرى والمختطفين من الإسرائيليين القابعين تحت قبضة حماس.
وثانيهما الضغوطات الامريكية وعبر شخص الرئيس الأمريكي.
غير أنها “هدنة” ولم يُحسم شأنها حتى صبيحة اليوم، فإذا ما تحققت فلن تعني ما يزيد عن أنها محطة في حرب، طالت هذه الهدنة أم قصرت، توقفت أم تجددت فالمسألة باتت “باباً دوّاراً”، لن يخرج أيّ من أطرافها من الحرب إلاّ ليعود إليها وهذا ما يمكن قراءته من المنابر الإسرائيلية التي جمعت نتنياهو بوزير حربه مع مسؤولي الشابك والموساد أما عن حماس، فلن تُلغي نفسها بقبول دفن سلاحها في مقابر السلاح، وإلغاء سبب وجودها القائم على “ديمومة الاشتباك”، فالخروج من الباب الدوّار لن يكون إن لم يتحطم الباب على من فيه أو على واحد من عابريه.
غير أن السؤال الملحّ اليوم، وإن كان سؤالاً فرعياً سيكون:
ـ هل ستكون الهدنة أم لا، وما هي عوامل الضغط لتنفيذها؟
لن يقتصر حال تنفيذ الهدنة أو طيّ صفحتها على طرفين : حماس وخلية الحرب الإسرائيلية، ففي هذه القضية ثمة اطراف أخرى، فهذه “ها آرتس” تكتب وعلى لسان تسفي برئيل قائلة أنه “من المهم النظر إلى مكانة قطر في هذه المسألة بشكل خاص كدولة أخذت على عاتقها قيادة الوساطة، وهي التي تمسك بيدها أدوات الضغط على حماس، وهي التي تقرر استمرار وجودها السياسي إذا ما تحولت غزة إلى منطقة محتلة على يد إسرائيل”، أما عن مصر، وكانت دائماً العنوان التكتيكي الفعال للوساطة مع إسرائيل، بسبب سيطرتها على معبر رفح الذي كان بمثابة أنبوب التغذية للقطاع ولسلطة حماس”.
قطر بالنسبة لـ “حماس” تعني الصراف الآلي الذي مول سلطة حماس وقيادتها من خارج غزة، ليس فقط بواسطة “حقائب الأموال” التي سمحت إسرائيل بإدخالها إلى القطاع، فالمساعدات الضخمة التي منحتها لحماس خلال عشرات السنين والملجأ السياسي الذي قدمته لقيادة حماس – الخارج، مكنتها من حرية عمل سياسية، وبالأساس حرية عمل اقتصادية.
في الوقت نفسه، تعدّ قطر حليفة للولايات المتحدة، وهي من أكبر المستثمرين في الشركات والمؤسسات الأمريكية. والآن أدركت أن العلاقات المزدوجة – منظمة إرهابية من جهة والمؤسسة الأمريكية من جهة أخرى – تضعها في مصيدة وتلزمها بالخروج من منطقة الراحة والتجند لتنفيذ صفقة المخطوفين” ووفق منطق ها آرتس هذا، فإن الإدارة الأمريكية لم تهدد حاكم قطر، لكن الشيخ تميم بن حمد استمع جيداً للطلبات التي سمعت في الكونغرس على لسان الرئيس بايدن لفرض عقوبات على الدولة الصغيرة والثرية. وكانت النتيجة أن قيادة قطر عقدت في الدوحة لقاءات عمل مع رؤساء الموساد وممثلين إسرائيليين آخرين للدفع قدماً، وبعد ذلك استكمال صفقة المخطوفين.
تمكنت قيادة حماس (كما يبدو) من اختيار من ستجري معه المفاوضات حول صفقة المخطوفين. وهكذا، في البداية، عندما أطلقت سراح المخطوفتين الأوليين يهوديت رعنان وابنتها نتالي، فقد “منحت الفضل لمصر”، لكن الإفراج عن يوخفات لايفشيتس ونوريت كوبر كانت هدية من “حماس” لقطر، التي كانت مهمة لها أمام واشنطن، ذلك أن “حماس” التي تحسب لهزيمتها في هذه الحرب، تدرك بأن وجودها كمنظمة وحركة خارج القطاع يتعلق أكثر بالدعم الذي ستحصل عليه من قطر وليس من مصر.
هي هدنة إن حدثت فقد توقف زمن القتل يوم او يومان وربما أسبوع، غير أنها لن تكون سوى المحطة التي ستقلع من بعدها جرّافات الحرب.
واضح من تداعيات ضفتي الصراع، أنه لن يخرج أيّ منهما من “الباب الدوّار” سوى بتدمير الباب على طرفيه، وربما على واحد من طرفيها.
ـ هي حرب عنوانها:
ـ أنا او لا أحد.