يتساءل السوريون: متى تنتهي الحرب؟ والأشدّ إلحاحًا على طرح السؤال، هم السوريون الذين شردوا في البراري، أو باتوا مهددين بالتشرد، أو أولئك الذين أنهكهم الفقر وشحّة الموارد، والأهم من هذا وذاك تلك الأسر التي هجر أبناءها المدارس أو كان أولادها تحت السلاح أو احتياطي سلاح وهؤلاء لابد أنهم من المرشحين للعودة محمولين على النعوش (هذا إن صادف وكان لهم حظ الدفن اللائق).
خلال المائتي سنة الأخيرة من عمر الكوكب، شهد هذا الكوكب أكثر من 360 حربًا زاد ضحاياها عن ثمانين مليون قتيل، وكانت حصة الشرق الأوسط من الحروب قد تجاوزت الخمسين حربًا.
كل الحروب السابقة، انتهت إلى طاولة المفاوضات والتسويات، وبالنتيجة ما من حرب إلاّ وتنتهي بتسوية بعد مدد ربما تكون عشر سنوات.. أكثر أو أقل، ولكن النتيجة ان قتلى الحروب كانوا منسيين فيما امراء الحروب غالبًا ماعادوا ليتسيدوا الموقف ويدخلوا في كتاب التاريخ، وهو كتاب طالما حمل في صفحاته التزوير وإهانة التاريخ، وبالعودة إلى سوريا، فالحرب السورية وقد تخطت إرادة السوريين، باتت حربًا دولية تقع على الأراضي السورية، أبطالها البارزين، روسيا / إيران / تركيا / الولايات المتحدة، أما مصادر التمويل فمن الصعب حصرها، فيما وصل عدد الفصائل المتحاربة إلى مايزيد عن الف فصيل، دون نسيان أن جيش الدولة الذي يفترض أن يكون جيشًا وطنيأً قد تحوّل إلى واحد من فصائل متحاربة تنطبق عليه صفة الميليشيا أكثر مما تنطبق عليه صفة الجيش الوطني.
تدويل المسألة السورية، والتناسل السرطاني للفصائل المتحاربة، سيعني تعقيد المسألة السورية بحيث سيكون من بالغ التفاؤل الاعتقاد أنها حرب قريبة من الانتهاء، أقلّه والتوافقات الدولية مازالت متباعدة، فيما تصفية الحسابات على الأرض السورية مازالت الصيغة الأكثر وضوحاً، وتصفية الحسابات ليست ما بين الخصوم فحسب، بل ربما تصل إلى تصفية الحسابات ما بين الحلفاء أنفسهم، وليس ثمة ما هو أوضح من الصراع الإيراني / الروسي على الأرض السورية، مع أنهما حليفين للنظام وداعمين له، وسينسحب هذا على الفصائل المعارضة المسلحة التي تتآكل في حروبها حتى باتت تصفية الفصيل للفصيل قاعدة متبعة بما جعل لكل فصيل أعداء متعددين، وهكذا حال النظام الذي ينخره تآكله الداخلي الذي يتجلى في صراعات داخلية ربما تاخذ بعدًا اقتصاديأ ومالياً ولكنها ستنعكس في مآلها على الجبهات العسكرية بما يجعل جيش النظام جيوش متحاربة وملامح هذه الحالة تتظهّر اليوم في الساحل السوري حيث اقتتال ابن الأخت مع ابن الخال.
العامل الدولي لا يزال محرّكاً أساسياً لاستمرار النزاع السوري، ففي ظل النفود الروسي (والإيراني، وإن بات أقل من نظيره) في مناطق سيطرة نظام دمشق، والتركي في مناطق المعارضة، والأميركي في مناطق الإدارة الذاتية / شرق الفرات، سوف يستمر تبادل التأثير بين تلك القوى الخارجية، وينعكس بالضرورة على الواقع العسكري المحلي ومجريات النزاع، وبالتالي على مجريات المسار السياسي، إذ يبدو شبه مسلم به أن السياسة تتبع الواقع العسكري والاقتصادي، وليس العكس بأي حال.
سيضاف إلى هذا أن محصلة الصراع ماتزال صفرًا، وهي أخطر محصلة يمكن أن تقف عليها حرباً، فالسيطرة على الارض لاتعني السيطرة على الحرب ولا السيطرة على السلاح، ولا تعني الغلبة لأيمن الأفرقاء المتحاربين ودون ريب فإن هذا سيطيل من عمر الحرب، فلولا هزيمة المانيا هتلر لما كانت التسويات الاوروبية ما بعد الحرب العالمية الثانية، فالتسويات لاتحملها محصلات الصراع (صفر).. التسويات تحملها الغلبة، فأين الغلبة في الحرب السورية ولمن؟
الغلبة ستكون في الاقتصاد لافي السلاح، ففي الوقت الذي يقتسم فيه المتحاربون الأدوار الوظيفية للبلاد، سينهون الحرب، والأطراف الرئيسية هنا هم:
ـ روسيا / إيران / تركيا / امريكا.
حتى اللحظة لاتفاهمات ولا تسويات ولا غالب ولا مغلوب.
إنها الحرب التي ستطول وتطول.