قد نكون في حقبة الهويات وصراعاتها، فالروس الذين خسروا الاتحاد السوفييتي، وبخسارته، خسروا مجموعة من القوميات من بينها قوميات روسية في دول خارج الاتحاد الروسي يشتغلون على استعادتها إلى “الأم”، وهذا جزء من هواجس فلاديمير بوتين التي لايكف عن إعلانها مرافقًا الإعلان عنها بالجرح الروسي البليغ الذي أصاب بلاده ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وحقبة “فودكا بوريس يلتسين”، وهذه الصين بهواجسها “الصينية “ومن يطالع
خطاب الرئيس الصيني شي جينبينغ في يوليو (تموز) الماضي في ساحة “تيان آن من” في مئوية الحزب الشيوعي، عندما قال إن الصين أُذلَّت طويلاً من الأجنبي “وتعرض الشعب الصيني للكثير من الألم وأُوقدت الحرب الصينية في الظلام”. ووعد بالفم الملآن بأن تايوان سوف توحَّد من جديد مع البر الأُم، وأن الحزب الشيوعي “سوف يعيد توحيد جميع أبناء وبنات الأمة الصينية، في البلاد وخارجها، في سبيل التجدد الوطني”. وقال: “إن الشعب الصيني لن يرضى بالعظات المقدسة من أولئك الذين يعتقدون أن في إمكانهم إلقاء المحاضرات علينا”. وأضاف: “إن الغرباء الذين يعتقدون أن في إمكانهم إخضاعنا واضطهادنا وتهديدنا سوف يجدون أنفسهم أمام جدار عظيم من الفولاذ يقيمه 1.4 مليار صيني”. مايعني وفق الخطاب الصيني أن أهل هونغ كونغ ليسوا ” هونغ كونغويين” كما يفضلون، وكذلك الإيغور وأهل التيبت، بينما يرى السنغافوريون والماليزيون وصينيو سان فرنسيسكو، أنهم كذلك.
وقد يمتد صراع الهويات إلى ماهو أبعد من روسيا والصين فهذه اسبانيا مهددة بحروب الانفصالات القومية، فلا الكاتالونيين قابلين بإسبانيتهم، ولا اسبانيا قابلة للتقسيم، وإذا ماكان للعرب من صراعات على الهويات فلا الكرد في العراق قابلين بالعرب بما يجعل التعايش ابديًا، ولا الاثنيات والطوائف في لبنان متعايشة خارج مقولة معادلة “متجاورة متناحرة”، وحتى في سوريا، فالبلاد التي خرجت من سطوة الحاكم السلطة قابلة للتعايش ما بعد سقوط وسيطرة السلطان على البلاد كافة البلاد، وبالنتيجة، فعالم اليوم يكشف بالكثير والكثير، أن عالم السوق لم يجمع، وأن نظامًا عالميًا وحيد القطب لن يعيش، وأن الحروب التي تنطفئ هنا تشتعل هناك، وأن حروب الهويات ستكون حروب المستقبل وقد تأتي الخطوة المقبلة من الصين التي سـ “تستعيد” تايوان، وربما هونغ كونغ، ليعود العالم الى التشكل من جديد.
تشكلاً تصنعه الحروب، والحروب ووفق “هيغل” كانت ولاّدة التاريخ، ومازالت “ولاّدة” التاريخ، والحرب على أوكرانيا ليست سوى بداية الرقصة.
تحمية للراقصين.
عالم قابل للانفجار في الطريق الى الانفجار.