مرصد مينا
ستبقى التعددية اللبنانية هي “المشكلة”، تماماً كما هي “الحلّ”، أما “المشكلة”، فهي أن التعددية اللبنانية في وضعها الحالي، فهي إعاقة “الدولة” من أن تكون “دولة”، فلبنان حتى اللحظة ليس سوى “مجتمع” يبحث عن “دولة”، وهذا حال بلد يختلف عن جاره سوريا، حيث الدولة ابتلعت المجتمع حتى كاد يغيّب، وحين حضر باحثاً عن نفسه، حضر معه العنف حتى كادت الدولة أن تتفكك وتتقسّم، والمرجّح حتى اللحظة أن سوريا ذاهبة إلى التقسم القانوني ما بعد التقسيم الموضوعي والسيكولوجي، بما جعل البلد محميات تدار بالسلاح هنا، وبالعنف هناك، فيما بقي لبنان مجتمعاً يبحث عن “دولته”، ومع البحث ستكون المشكلة وقد وضع سلاح حزب الله يده على حلم الدولة، وهو في طريقه إلى الإطاحة بالدولة وبالمجتمع معاً.
تلك هي المشكلة، فيما ستكون التعددية هي “الحل”، وهذا جزء من هوية الدولة الديمقراطية التي لا يصيغها حزب واحد، وقائد واحد، وشعار واحد، وسجن واحد، وأنشوطة مشنقة واحدة، وسيبقى “الحلّ” بلا نتائج إن لم يتلاقى “المجتمع” مع “السلطة” لصياغة “الدولة” التي تعني حق تقرير مصير الأحياء في البلد، وشكل النظام الذي يريده الناس ويحتكمون اليه، ليتبدل شكل “السلطة” مع تبدل حاجات المجتمع والقوى التي تشتغل على أرضه.
مجموع القوى والأحزاب اللبنانية، كانت وعلى الدوام قابلة لصياغة “الدولة” التي تعني “حوار السلطة والمجتمع”، وحين ترجّح كفّة أحدهما على الثانية تكون الفوضى وصولاً للحرب الأهلية، وليست مرحلة السبعينيات من القرن الفائت سوى هذا الصراع وقد تحوّل إلى حرب، وحال لبنان اليوم، هو حال قد لا يكون بعيداً عن إطلاق هذا الاحتراب ما بعد هيمنة حزب الله على الدولة وصولاً لإلغائها، فاستفراد هذا الحزب بإدارة الحرب والسلم، والقصر والعشوائيات، والاشتغال على إلغاء الكل لحسابه وحده، حوّل البلد إلى “حرب أهلية كامنة”، ومن يصغي إلى خطاب بشارة الراعي سيد بكركي، يعلم باليقين أن الأزمة اللبنانية استفحلت، فالمجتمع منقسم بحدة قد تنقلب إلى عنف، أقله والانقسام يطال العنوان الجوهري:
ـ هل نذهب إلى الحرب أم نحيّد لبنان عن ويلاتها؟
بالنسبة لحزب الله، فالويلات هي جزء من العقيدة، والحرب هي المكوّن الأساس لهويته، أما عن الربح والخسارة فهو الذي سيربح الحرب فيما لو اندلعت، ذلك أن مفهومه للربح مازال متصلاً بحجم الضحايا التي سيدفعها ناس لبنان، كل لبنان، وبالأخص أهل الجنوب الذين ذاقوا مرارة التشرد وهدم بيوتهم ودفن شبابهم، ولهذا فإذا ما أسقط بندقيته، فمع سقوطها سيسقط هويته، وهي الهوية المضادة لحلم ما تبقى من لبنان أحزاب وأفراد وطوائف.
لا الحزب سيتنازل عن مبرره، ونعني سلاحه، ولا اللبنانيون من بقية خلق الله سيرحّبون بخيار الحرب الذي خبروه فدمّر بلداً كان واعداً أن يكون منارة هذا الشرق، والنموذج في هذا الشرق حيث المدنية والديمقراطية والمجتمع الذي ينتج قواه الناعمة بدءاً من الرحابنة وصولاً لمستكشفين ومؤرخين ومعماريين، ستطردهم الحرب لتبقي على السلاح وحده، وقد فقد السلاح معناه باعتباره “زينة الرجال” ليتحوّل إلى نكبة على الرجال.
المجتمع اللبناني اليوم، هو المجتمع الذي يبحث عن “دولة”، يقابله حزب الله الذي يسقط الدولة لحساب سلاحه وحده، والجنوب يشتعل بطيئاً ريثما ترتفع وتيرة الحرائق لتكون الحرب الشاملة، أما الحرب فيما لو اتسعت، فلن تكون ما بين جبهتين :
ـ إسرائيل وحزب الله.
لا.. ستكون متعددة الجبهات.. الداخل بمواجهة الداخل والحدود تشتعل.
خطاب الكاردينال الراعي، وإن لم يصرّح على هذا النحو، فقد تضمنت موعظته صبيحة عيد الفصح هذا الاحتمال وهذه المخاوف، أما حملة حزب الله على بكركي فليس لها سوى عنوان واحد:
ـ جئناكم بالخراب فاستعدوا.