“حزب الله” لا نصرًا إلهيًا ولا إعادة إعمار

“حزب الله” هو السلطة المطلقة في لبنان، قد يكون الحال كذلك في اللحظة الراهنة، والمشاكل التي يواجهها هذا البلد ليست سوى تداعيات هذا الحال، أقله في إعاقته لتطبيق الاصلاحات والاصرار على منعها، بعد سلسلة من المشاكل آخرها عجز الحكومات المتعاقبة عن أي اصلاح، فيما سلاح “حزب الله” مصوّب نحو أي شخص يجرؤ على محاولة القيام بإصلاحات أو على المساءلة أو تحقيق السيادة.

منذ فوزه بأغلبية نيابية خلال انتخابات 2018، منح الحزب العسكري-السياسي المدعوم من إيران باستمرار الأولوية لمصالحه على مصالح الشعب اللبناني من خلال عدة ممارسات على غرار إنتاج المخدرات غير الشرعية، والتهريب والاتجار بالأشخاص لأغراض الاستغلال الجنسي – وبالطبع – بناء ترسانته العسكرية. فبالنسبة لـ”حزب الله” لا يزال الفساد من أبرز السياسات التي ينتهجها، ومن الأمثلة البارزة على ضعف مؤسسات الدولة واستراتيجيات “حزب الله” بعد عام 2019 هي التحقيق في انفجار المرفأ الذي يتولاه القاضي طارق بيطار. فقد بدأت الأمور تسوء عندما دعا بيطار مسؤولين سياسيين وأمنيين للاستجواب وأصدر مذكرة توقيف بحق آخرين. ومنذ ذلك الحين، قاد “حزب الله” حملة سياسية ضد القاضي وحتى أنه أرسل مسؤوله الأمني الأعلى لتهديده، وحادث الطيونة كان مثالًا على ذلك.

ارتكابات حزب الله انعكست على حليفيه “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، وقد خسّرهما دعمهما الشعبي وهذا ماتشي به استطلاعات رأي جرت في لبنان، لم يعد “التيار الوطني الحر”، الذي كان يتمتع بتأييد أكثر من 50 في المائة من الشارع المسيحي اللبناني، يحظى بدعم أكثر من 13 في المائة من المسيحيين اليوم.

“حزب الله” لم يعد يتمتع بالدعم الأعمى والمطلق من المجتمع الشيعي فقد خسر مركزه كشخصية أبوية للشيعة، وقد دمرت صورته الصعوبات المالية التي يواجهها الشيعة بسبب العقوبات الأمريكية على إيران، والغطاء الذي يوفره الحزب للفساد وانكشاف أنشطته غير الشرعية، ولا سيما التهريب وإنتاج المخدرات.

لقد علّق الحزب الخدمات الاجتماعية ووحدهم القادة العسكريون والمقاتلون بدوام كامل يقبضون رواتبهم بالدولار الأمريكي – في حين يُطلب من الآخرين أن يتحلوا بالصبر. ما يجعله يواجه تحديات داخلية خطيرة.

هتافات الحزب بأن الحرب القادمة مع إسرائيل لن تؤدي إلى “النصر الإلهي”، ولن تليها عملية إعادة إعمار فورية، وإنما ستقود إلى تدمير ما تبقى من لبنان، لكن الأهم، أن الحزب يدرك أن لبنان وشعبه وبالأخص المجتمع الشيعي لن يسامحوه قط إن جرّهم إلى حرب أخرى مع إسرائيل.

لبنان سيكون أمام استحقاق صعب للخروج من المأزق الصعب، والاستحقاق لابد ويأتي مع الانتخابات النيابية، واللبنانيون لابد يرغبون في التصويت للتغيير وثمة للمرة الأولى بديل فعلي مطروح، وبالنتيجة فهم أمام فرصة لا يجب تفويتها لتفويت الفرصة على عودة حزب الله للاستئثار بالبلد، فالحزب يفقد سلطته وشرعيته بسبب العقوبات الأمريكية واتساع رقعة الاحتجاجات السياسية المحلية. كما يخسر قيمة خطاب المقاومة بسبب عدم قدرته على الردّ على الهجمات الإسرائيلية. ويخسر أيضًا دعم القسم الأكبر من شيعة لبنان الذين يخضعون له حاليًا بسبب الخوف وحسب وليس انطلاقًا من إيمانهم الفعلي بالحزب ومعتقداته. إن الأزمة اللبنانية والتحديات التي يواجهها الحزب مرتبطة ببعضها البعض، وتقدم كلتاهما فرصًا للتغيير.

مما لاشك فيه بأن حزب الله سيشتغل على إحداث أمر ما يعيق الانتخابات النيابية، كما لو يشعل حادثًا أمنيا في البلد، سواء بالمباشر أو عبر حلفائه، وهذا امر ممكن ووارد، وقد يفعل ذلك لتجميد الانتخابات أو الاطاحة بها، وفي حال حدث ذلك ستكون النتائج أصعب مما يتوقع أحد.

قد تقود البلد إلى كوارث من الصعب التنبؤ فيها.

لبنان امام استحقاق التغيير، والتغيير فيه يتطلب أولاً هزّ صيغة مجلس النواب الرهينة لحزب الله..

إذا ماحدث ذلك قد ينجو، وإذا استعان حزب الله بمفخخاته فقد يغرق الجميع بمن فيهم حزب الله الذي لم يعني “نصرًا إلهيًا”، لا لبيئته ولا لسائر اللبنانيين.

Exit mobile version