حكاية “الشرف” الإيراني

زاوية مينا

الإعلام الإيراني كما التصريحات الرسمية بدءاً من “الولي الفقيه” يعتبران اغتيال إسماعيل هنية على الأرض الإيرانية “مسألة شرف”، ومع خطاب “الشرف” تتدخل مجموعة عوامل لـ “تؤجل الرد اليوم”، ربما لـ “يُنسى غداً”، وهكذا كان التدخل الحثيث لكل من الروس والصينيين لنصح طهران بابتلاع الموقف والخطاب ومنع التصعيد الذي يعني فيما يعنيه إصابات منشآتها النفطية وغيرها من المنشآت الهامة، عسكرية ومدنية في أرجاء الدولة.

وعودة إلى السبب الأول المشار إليه، لأن له أهمية حاسمة. فالصين وروسيا يحثان طهران على عدم الرد بشكل يؤدي إلى تصعيد واسع. ولكل منهما أسبابها الخاصة.

وفق الصحافة الإسرائيلية ومن بينها “إسرائيل اليوم” فإن علاقات روسيا وإيران توثقت جداً بسبب الحرب في أوكرانيا. روسيا تشتري من إيران منظومات سلاح كالمسيرات الانتحارية من طراز “شاهد”، التي تستخدم في الهجمات في أوكرانيا. وهي ترسل من مصنع إيراني متطور على مسافة غير بعيدة عن أصفهان، ومن مصنع أقاموه في طاجكستان المجاورة.

السؤال هنا:
ـ ماهي مصلحة روسيا في الوقوف وسط متقاتلين؟

المصلحة الروسية أكثر استراتيجية. تقدير روسيا، كما يحلل جهاز الأمن في إسرائيل، وأن التصعيد الحاد سيمس بإيران وبمكانتها كقوة عظمى في المنطقة، وربما يعزز الحلف الإقليمي المناهض لإيران ويجعله حلف دفاع حقيقياً.

وفق كلام “إسرائيل اليوم” فإن بوتين غارق في الوحل الأوكراني، ويبدو أنه ينتظر الفرصة لإنهاء الحرب باتفاق يبقي في يديه معظم الإنجازات الإقليمية، بما فيها شبه جزيرة القرم. وإن أي تصعيد في الشرق الأوسط الذي ينتمي فيه هو إلى الجانب الإيراني، سيمس بفرص تحقيق اتفاق كهذا. لقد بعث بوتين إلى طهران بسيرجيه شويغو الذي كان وزير الدفاع. فضلاً عن وعود لإرسال منظومات دفاع متطورة ضد الصواريخ والطائرات، نقل شويغو هذه الرسالة إلى الزعيم الأعلى آية الله خامنئي.

ـ وماذا عن الصين؟

أما الجانب الصيني، فمصلحته الأساسية هي النفط. الصين هي الزبون الأساس وشبه الحصري للنفط الإيراني، بثمن زهيد، لكن بكميات كبيرة ومتزايدة. عملياً، توقفت إدارة بايدن عن فرض العقوبات على بيع النفط من إيران، مصدر الدخل الأساس للدولة. تعيش إيران في أزمة اقتصادية عميقة عقب خروج ترامب من الاتفاق النووي، وتدهور عملتها من 420 ألف ريال للدولار في 2018 إلى أكثر من 700 ألف اليوم. بيع النفط يتم في قسمه الأكبر في صفقات تبادل للبضائع مقابل النفط، لكن أيضاً بالدولار من خلال تجاوز آليات التحويل المالي الدولية وتبييض التجارة المحظورة بالنفط.

بعض الأرقام: الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 وألغى العقوبات ضد إيران جلب لإيران مداخيل سنوية لأكثر من 60 مليار دولار من تصدير النفط. بعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب الخروج من الاتفاق في 2018 هبطت المداخيل السنوية إلى نحو 15 مليار دولار. بعد تغير الإدارة في البيت الأبيض عادت المداخيل في عهد بايدن إلى الارتفاع، فبلغت في 2024 نحو 50 مليار دولار. 90 في المئة من النفط يصدر كما أسلفنا إلى الصين بسعر زهيد جداً عن سعره في الأسواق الدولية، وهو يحرك الصناعة الصينية. التهديد على هذا التوريد هو تهديد على الاقتصاد الصيني.

إضافة إلى ذلك، وقعت الصين مع إيران على اتفاق استثمار اقتصادي ضخم قبل ثلاث سنوات، واستثمرت حتى الآن مليارات الدولارات في منشآت بنى تحتية وفي صناعة النفط أساساً – التي تحت تهديد إسرائيلي مباشر في الرد على هجوم إيراني.

لقد أصبحت الصين عملياً شريكاً لإيران في صناعة النفط وفروعها، وهي تريد أن تدافع عن استثماراتها. وحسب تقارير في وسائل الإعلام المقربة من المعارضة الإيراني، كان في الأيام الأخيرة تبادل للرسائل بين بكين وطهران تضمنت قلقاً صينياً من التصعيد. كل هذا لا يشكل بوليصة تأمين ضد هجوم إيراني. الإيرانيون ملزمون بالرد، في رد لا يعتبر “رفع عتب”. الإمكانيات التي طرحت برد محتمل من طهران هي عملية أو هجوم نوعي ضد هدف ذي مغزى عسكري أو رمزي للحكم الإسرائيلي. لكن لإيران الكثير مما تخسره في تصعيد حقيقي، وعليه فهذا غير مرتقب قريباً.

الصينيون كما الروس، يبحثون عن تسوية لموضوع “الشرف الإيراني”، والشرف الإيراني لحظة يدخل البازار لابد وينتصر البازار على الشرف.
شرف “الولي الفقيه”، قد لايدخل في حسابات اللحظة لتكون اللحظة الإيرانية:
ـ تهديد، تحشيد، ومن ثم نسيان.

Exit mobile version