
مرصد مينا
أنهى قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، صمته الذي استمر لفترة طويلة منذ خسارة قواته وسط البلاد والعاصمة الخرطوم، واسترداد الجيش السيطرة على القصر الجمهوري في مارس الماضي.
وأطلّ في خطاب مسجل تم بثه مساء الاثنين 2 يونيو 2025، معلناً بدء ما وصفه بـ”مرحلة جديدة” من الحرب في السودان، موجهاً تهديدات بمهاجمة مدن ومناطق جديدة في وسط وشمال البلاد، من بينها مدينة “الأبيض” حاضرة ولاية شمال كردفان، وكذلك الولاية الشمالية التي اعتبرها حاضنة لأنصار نظام البشير الذين ينتمون للإسلاميين. كما واصل حميدتي اتهاماته للجيش باستخدام “أسلحة كيميائية” ضد قواته.
يأتي هذا الخطاب في ظل اشتباكات عنيفة دارت بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة، وقوات “الدعم السريع” من جهة أخرى، في ولايات شمال وجنوب وغرب كردفان، تمكنت خلالها قوات حميدتي من استرداد عدة مدن وبلدات مهمة كانت تحت سيطرة الجيش، مثل النهود، الخوي، الدبيبات، أم صميمة، الحمادي، وكازقيل. وقد ألحقوا خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات بالجيش.
ويرى المحللون أن السيطرة على هذه المناطق تشكل نقطة تحول، إذ تقترب قوات “الدعم السريع” كثيرا من مدينة “الأبيض” الاستراتيجية، التي احتفظ الجيش بسيطرته عليها منذ بداية الحرب في أبريل 2023.
كما توحي التهديدات الواردة في خطاب حميدتي بإمكانية توسع رقعة الحرب لتشمل مناطق جديدة في الوسط والشمال.
مراقبون: الخطاب “مجرد دعاية”
وقد أحدث الخطاب جدلاً كبيراً حول توقيته ومضمونه، حيث رأى بعض المراقبين أنه “مجرد دعاية حربية” بهدف رفع الروح المعنوية لقوات “الدعم السريع”وحرب نفسية موجهة للجيش وحلفائه، مستنداً إلى المكاسب العسكرية الأخيرة.
بينما اعتبر آخرون أن التهديدات تمثل تصعيداً خطيراً يمكن أن يعيد توسيع رقعة القتال، خصوصاً بعد التراجع الذي شهدته قوات حميدتي غرباً.
مع ذلك، فإن خطاب حميدتي جاء في سياق متغير، حيث تبعت المعارك سلسلة هزائم متتالية لقوات “الدعم السريع”، وأيضاً انتصارات مهمة، ما جعله يبرر الخسائر ويستعرض في الوقت ذاته قوته.
“حميدتي” يهدد بتوسع نطاق الحرب
في خطابه، هدد حميدتي بتوسيع نطاق الحرب لتطال مناطق جديدة، مشيراً إلى استمرار القتال حتى الوصول إلى العاصمة المؤقتة “بورتسودان”.
ووجه اتهامات مباشرة لمصر بدعم الجيش السوداني وتزويده بالأسلحة والذخائر، كما ألمح إلى دور إريتريا في دعم الجيش أيضاً، وذلك في وقت يدعم فيه الإسلاميون السودانيون “الإسلاميين” الإريتريين الذين يعارضون نظام الرئيس آسياس أفورقي، المعروف بدعمه للجيش.
كما زعم حميدتي استخدام الجيش لأسلحة كيميائية ضد قواته، وهي اتهامات كررها في خطابه.
ولم يظهر أي استعداد من جانبه للعودة إلى مفاوضات جديدة مع الجيش، بل أكد أن الحرب تقترب من نهايتها لصالح قواته، معبراً عن أمله في الوصول إلى “بورتسودان” كخطوة حاسمة.
رد فعل أنصار الجيش لم يتأخر، حيث قللوا من أهمية الخطاب ووصفوه بأنه محاولة لاستعادة زمام المبادرة بعد سلسلة الهزائم التي أجبرت قوات “الدعم السريع” على الانسحاب من معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها. ورأوا في الخطاب دليلاً على ارتباك القوات التي يقودها حميدتي.
الخطاب “تصعيدي بامتياز”
من الناحية التحليلية، وصف المحلل السياسي محمد لطيف الخطاب بأنه “تصعيدي بامتياز”، مشيراً إلى أن نبرة التهديد الواضحة لمناطق محددة والتلويح بدخولها يشير إلى أن حميدتي ينطلق الآن من “موقع قوة”.
وفسر المحلل السوداني هذا التصعيد بظهور قوات جديدة في المعركة إلى جانب “الدعم السريع”، من بينها قوات تجمع “قوى تحرير السودان” بقيادة الطاهر حجر، وحركة “تحرير السودان – المجلس الانتقالي” بقيادة الهادي إدريس، وقوات حركة “العدل والمساواة” بقيادة سليمان صندل، و”الحركة الشعبية لتحرير السودان” بقيادة عبد العزيز الحلو، والتي تتمتع بخبرة قتالية كبيرة.
وأوضح لطيف أن مصدر القوة هذه جاء بعد تحقيق ثلاث انتصارات كبيرة على الجيش وحلفائه، مما مكن “الدعم السريع” لأول مرة من السيطرة على “نقطة الوصل”بين غرب السودان ووسطه وشماله، وهو ما كان أحد أسباب انسحابهم سابقاً من وسط البلاد.
وأضاف أن استعادة السيطرة شبه الكاملة على كردفان الكبرى أعادت خطوط الإمداد إلى “الدعم السريع”، وهو أمر في غاية الأهمية في العمل العسكري والاستراتيجي.
ورأى أن السيطرة على هذه النقطة تعني قدرة حميدتي على الوصول إلى العديد من مناطق الوسط والشمال، مما يجعل تهديداته حقيقية وجديرة بالاهتمام.
ورهن لطيف نجاح “الدعم السريع” في المناطق المستهدفة بتقديم نموذج حقيقي في الإدارة والتأمين، خاصة مع الانتهاكات الكبيرة والمتعددة التي ارتكبتها قواته، والتي قد تدفع السكان إلى الفرار من المناطق التي قد تدخلها ما لم يقدم تجربة أمنية مقنعة.
“أقوال مبتورة ومشحونة بالسباب”
على صعيد آخر، قلل القيادي الإسلامي إبراهيم الصديق من شأن خطاب حميدتي، واصفاً إياه في منشوراته على فيسبوك بأنه “أقوال مبتورة وغير مترابطة ومشحونة بالسباب”. وسخر من ادعاء حميدتي بأنه دمر 70% من قوات الجيش.
في المقابل، وصف الباحث السر السيد الخطاب بأنه “تعبوي بامتياز” وحمل رسائل حرب نفسية داخلية موجهة لقوات “الدعم السريع”، مع التركيز على كشف معلومات عن تسليح الجيش وقدراته وكوادره وحلفائه.
وأشار إلى أن الخطاب احتوى على بعد ديني واضح، ولكنه لم يتضمن أي بعد جهوي أو قبلي، بل تضمن تطمينات للمواطنين في المناطق المحتملة لاستهدافها بعدم تهديد حياتهم، رغم أن حميدتي ما زال يعتبر الولاية الشمالية معادلاً للمركز وحاضنة للجيش.
وحذر السيد من توسع رقعة الحرب واستمرارها، مؤكداً أن الخطاب يشير إلى قوة الجيش وحلفائه وتعقيدات هزيمته.
وأبدى دهشته من تجاهل الخطاب ذكر “تحالف تأسيس” الذي يتزعمه حميدتي وتعيين رئيس وزراء جديد من قبل الحكومة المدعومة من الجيش.