مرصد مينا
ليس صدفة ان يحل الخراب في المكان الذي يحلّ فيه “الإسلامويون”، وبالوسع المراجعة:
ـ نقلوا طهران من المدينة المدنية، إلى زمن الكهف، فحل “الشادور”، محل الحياة الملوّنة، لتحرّم الموسيقى، ويحكم على الرواية بمخالفة “وصايا الله”، اما بنات إيران فقد قصصن جدائلهن في مواجهة بالغة الوضوح مع “آيات الله”.
ـ واجهوا “حافظ الأسد” بالسلاح، فدمّرت “حماه” ومن بعد انتقل النظام البوليسي القلق إلى واحد من اكثر النظم تغوّلاً في حياة الناس ما بعد أن منحوه المكتأ والتبرير والحجّة إلى مواجهة الصوت بالسلاح.
ـ ذهبوا إلى الجزائر، فخلقوا “عشرية الموت” الفظيعة وقد نقلت الجزائر من بلد المليون شهيد من أجل الاستقلال، إلى بلد الاحتراب الأهلي، فبات الابن يطلب من والده حمل كفنه لسوقه إلى الإعدام وتلك بلدة “البويرة” الأمازيغية تشهد على هذه الواقعة من جملة “واقعات”.
ـ أسقطت القوات الأمريكية نظام صدّام الدامي، فاختطف الإسلامويون الدولة وألقوها في حضن إيران وبدموية أكثر صراحة و”أبلغ” وضوحاً.
ـ أخرج الاتحاد السوفييتي بقواته من أفغانستان، فـ “أفغن” الإسلامويون الدولة ليدمروا بالدولة وسكان الدولة وجامعات الدولة وثقافات الدولة بحد السكين.
ـ استأثروا بلبنان، فدمروا المصرف، وألغوا البرلمان، وفرضوا على الرئاسة أن تتحول إلى “رئيس بجلباب وقفطان”، وساقوا الدولة إلى الترهيب بالسلاح، ومن ثم أحلوا حسن نصر الله محل نبي الإسلام، وصولاً لوصفه بـ “لاينطق عن هوى”، وقد حمّلوه رسالة الوحي والموحى إليه، وهاهو لبنان يقع تحت خط النار انتظاراً للهيب النار.
ـ دخلوا مصر أم كلثوم وعبد الحليم وسيد درويش، فأحالوا جامعاتها إلى حوار “المطاوي والسكاكين”، ومن عاصر يوميات طلبة القاهرة أو عين شمس أو جامعة الزقازيق سيدرك بالعين المجرّدة “لعبة السكاكين”.
ـ غامروا بغزة، فأدخلوها أتون النار والترحيل والقتل والتهجير، وهاهم الغزاويون يبحثون عن خيمة، ما بعد “دولة حماس”، وكانت “دولة الزنزانة”، والغزاويون يدركون بأن دولة “حماس” جعلت من “الصوت” لعنة، ومن “السياط” نعمة، فبات الاحتلال أقل قسوة من حكم حماس، فاستدرجوا الاحتلال لتكون المجزرة الكبرى، باعتبارها واحدة من منجزات “بطولات” حماس.
طردتهم مصر من حواريها، وجرفتهم الجزائر من جبالها، وما أن انتصر التوانسة على “زين العابدين”، حتى أحلوا فقهائهم على تونس، أول بلد “علماني” في بحر حكومات الله، ليجتثوا كل ما أنجزه التوانسة بدءاً من الحبيب بورقيبة، وكان أول زعامة عربية تعطي المرأة ما يُعطى للرجل من حقوق.
ـ أسقط القذافي “مستشار الهستيريا النرجسية” في ليبيا لتحل محله هستيريا القتل والعنف، وإلغاء كل ما يتصل بـ “دولة مدنية” لحساب دولة الثكنة والسيارات رباعية الدفع وقد فتك أبطالها بالمواطنين “المساكين” الآمنين، فخرجت ليبيا من “دلف” القذافي إلى “مزراب” الإسلامويين، لتتحول محاكم القذافي “الثورية” إلى “محاكم تفتيش” الإسلاميين، ما جعل الخلاص لعنة والانتقال كارثة، لينتجوا المفارقة الأشد هولاً في التاريخ، اما الأشد هولاً فهو:
ـ أن يترحم الليبيون على أيام القذافي، وقد تحولت أيامهم من موشحة بالسواد إلى السواد الذي لا منجاة منه.
وها نحن نصالب أذرعنا بمواجهة الشاشات لنتابع الحرب على غزة، ومن بعدها لنتساءل:
ـ دلّونا على واحد من قيادات حماس تحوّل مع القصف إلى أشلاء.
لن يحدث هذا.. وحدها تلك الطفلة احتلت المشهد:
ـ لقد تعرفت على جسد أمها الممزق من جديلة أمها:
هذه جديلة أمي.
وانتحبت.