“تردد إدارة جو بايدن إزاء الحل في سوريا يعني التطبيع مع نظام الأسد وجرائمه”، بهذا الاستخلاص استبق “فورين بوليسي” مقالة طويلة حملت عنوان غياب نهج بايدن حول سوريا وتغاضيه عن التقارب الإقليمي معها لن يزيد إلا من قوة الأسد”، والمقالة ممهورة بتوقيع تشارلز ليستر، وهو من كبار محرري المجلة.
مما جاء في مقالة ليستر إن “نظام بشار الأسد لم يوفر أسلوبا من القتل وتجويع المدن والبلدات وضربها بالغازات السامة واستخدام المحارق لإخفاء جرائم القتل الجماعي في سجونه للحفاظ على منصبه”.
وتابع “عندما خرج المتظاهرون في 2011 حمل العديدون منهم الزهور تعبيرا عن السلام، ووصفهم الأسد بالجراثيم. وبعد عشرة أعوام قتل حوالي نصف مليون شخص واختفى أكثر من مليون شخص وشرد نصف سكان البلاد. وتم جمع أدلة إدانة للنظام أكثر مما جمعت محاكم نيورمبيرغ للنازية”.
والأهم فيما كتبه كان التالي “ومع ذلك فالأسد اليوم آمن في دمشق أكثر من أي وقت منذ 2011. ولم يعد المجتمع الدولي المتعب مهتما بمتابعة أية سياسة عمل واضحة إزاءه علاوة عن تحقيق العدالة للضحايا والمحاسبة من مرتكبي الجرائم”.
مما جاء في المقالة:
ـ المجتمع الدولي قبل بعودة الأسد اليه.
ـ الانتربول الدولي أضافه ونظامه من جديد إلى شبكته.
ـ تغاضي الانتربول عن الاسد وتجارته بالمخدرات بالمليارات هو بمثابة إدانة مذهلة لهذه المؤسسة الدولية.
أما عن سياسة جو بايدن إزاء نظام الأسد فقد تبنت إدارة بايدن موقفا متهاونا من النظام، ومع أنها لن ترحب بعودة النظام إلى الحظيرة وبالأحضان إلا أنها تركت الآخرين يفعلون هذا، في مكافأة لأسوأ نظام مجرم في القرن الحادي والعشرين.
ولم تستجب الإدارة لطلبات الكونغرس المتكررة وجماعات المصالح لتعيين مبعوث خاص إلى سوريا، بل وقررت في أيلول/ سبتمبر إلغاء المهمة ودمجها ضمن مهام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش. وعلى الورق لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بالتسوية السياسية بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015 والذي يدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار ومفاوضات سورية بدعم من الأمم المتحدة وتسوية سياسية تؤدي إلى “حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي”، وكتابة مسودة دستور جديد وعقد انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.
وفي غياب الضغط الدبلوماسي الأمريكي فلن يحدث هذا. وفي الأمم المتحدة تتواصل الدبلوماسية لكن الجميع يعرف أن المبعوث الأممي إلى سوريا الدبلوماسي النرويجي المعروف غير بيدرسون عاجز عن العمل بدون دور أمريكي حاسم. وبدون جهود حثيثة من الرئيس الأمريكي لتحقيق مظهر من التقدم للجنة الدستور السورية التي شكلتها الأمم المتحدة لتسهيل ولاية عملية سياسية سورية، هو ما يمكن توقعه ولكنه لا يمثل جهود الدعم الإنساني.
رخاوة جو بادين انعكست على مواقف دول أوروبية، فقد أدت رخاوته إلى ابتعاد المجموعة الأوروبية عن السياسة السورية، وهذا نابع من التعب والتسليم، لأنه بدون دور أمريكي محدد، فليس لدى الحكومات الأوروبية الدفع باتجاه حل لا يمكن تحقيقه. وقبل عدة أشهر كان المسؤولون الأوروبيون ينتظرون نتائج مراجعة بايدن للسياسة تجاه سوريا، ولأن انتظارهم طال فهم يتعاملون مع العمل بنوع من السخرية.
وبالنسبة لحكومات الشرق الأوسط، فقد كان الرد مختلفا، فعندما وصلت إدارة بايدن إلى البيت الأبيض كانت المنطقة تدعم قرار مجلس الأمن 2254 والحاجة لتسوية سلمية والمطالب الأمريكية الداعية لتغيير في سلوك النظام كبديل عن تغييره، وكشرط للتعامل معه اقتصاديا وفي مجال الإعمار.
عندما زار الملك عبد الله الثاني واشنطن في تموز/ يوليو 2021وسط الوضع المتدهور في أفغانستان بسبب الانسحاب الأمريكي، جاء ومعه صفقة مع سوريا: لو كنا نريد تغيرا في سلوك نظام الأسد، فعلينا أن نعرف ماذا نعني بهذا ونبدأ “خطوات متدرجة” لفحص استعداد النظام التحرك بطريقة بناءة وبناء الثقة معه. واقترح إنشاء مجموعة مهام خاصة من دول متقاربة في آرائها، وتجمع حكومات أوروبية وإقليمية إلى جانب الولايات المتحدة من أجل التوافق على المدخل الأفضل.
قوبل الملك بتكرار الموقف الأمريكي من قرار 2254 ولكن بدون اعتراض على التعامل المرحلي مع دمشق. وفي الأسابيع التي تبعت زيارة الملك لواشنطن حدثت تغيرات درامية، مثل الاتفاق المتعدد لتوفير الغاز الطبيعي المصري للبنان عبر الأردن والأراضي السورية.
في الوقائع لعبت السفارة الأمريكية في بيروت دورا بتشجيع الأطراف على المضي في المفاوضات مع النظام مشيرة لإمكانية التغاضي عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بناء على قانون قيصر والذي كان سيمنع الاتفاق.
في وسط هذه الدفعة الدبلوماسية زار مقداد وزير الخارجية السوري، الذي فرضت عليه بريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات نيويورك، وشارك في اجتماعات الجمعية العامة وزاره سبع وزراء دول شرق أوسطية.
يعتقد الكاتب أن غض إدارة بايدن النظر عن عمليات التطبيع أو نهجها المزدوج (تكره التقارب لكنها ترفض وفي أحيان أخرى تسهله) هو بمثابة “تفويض الاستقرار” تجاه الشرق الأوسط، وبموجب هذا تعطي دول المنطقة الرخصة لكي تحل المشاكل الإقليمية بنفسها وبأقل دعم أمريكي.
ويعطي هذا النهج، رغم نتائجه غير المستساغة إدارة بايدن التركيز على الأمور الأهم وهي مواجهة الصين وروسيا، إلا أن تجاهل الوضع في سوريا وتركه لدول المنطقة كي تتابع أولوياتها ومصالحها لن يعالج الأسباب العميقة للأزمة، فمسار سوريا الحالي تحت قيادة الأسد يقود لمزيد من المعاناة، فنظامه فاسد واقتصاده محطم. وفي هذا المسار لن ينتفع سوى الأسد والجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية.
ويمثل التقارب الإقليمي مع دمشق تهديدا لملايين اللاجئين السوريين، مثالها ما أوردته تقارير إعلامية عن اعتقال المخابرات الأردنية لصحافيين سوريين وتهديدهم بالترحيل مثيرة للقلق وصورة عما يخبئه المستقبل.
بالنتيجة، جاءت سياسات جو بايدن لتعويم النظام السوري، وتعويم النظام لايعني الإبقاء عليه، ولكنه سيعني فيما يعنيه استمرار الاستعصاء في المسألة السورية، فلا النظام قادر على استعادة قبضته في الإمساك على البلاد، ولا قوى المعارضة قادرة على استعاد أي من قدرتها على تجاوز الاستعصاء في الحالة السورية، ومادام الوضع كذلك فما هو حال سوريا؟
الحال هو ما تثبته وقائع الحياة السورية في راهنها:
ـ استيلاء العصابات على مقدرات الناس، وترك البلاد لأرجوحة الخيارات، فلا الحرب توقفت، ولا منتصر فيها يعلن عن “خيمته الأخيرة”.
تلك سياسات جو بايدن الذي يعتقد أن نظام الأسد سيكون بالنتيجة في قبضته، تمامًا كما حال معارضات نظام الأسد، ففا كلا الحالين لن يخرج أي منهما عن العباءة الأمريكية.
إنها سياسة:
ـ حيثما ذهبت البقرة فالعجل لنا.
هو الأمر كذلك، فالنظام بولاداته لن يكون سوى لها، والمعارضات بخيباتها لن تكون سوى لها، و”
ـ دع الاموات يدفنون موتاهم.