الذين نادوا بالوحدة العربية، كانوا أوّل من فرّق الامّة، وليس ثمة من دليل على هذا أوضح من ذاك الصراع مابين صدّام حسين وحافظ الأسد، بما جعل بغداد محرّمة سوى على الهارب من حافظ الأسد إليها، وجعل دمشق محرّمة سوى من الهارب من صدّام إليها.
والذين نادوا بالحريّة، كانوا الاكثر إعماراً للسجون والاكثر تخريباً للمدنية ولحافظ وصدّام مثالين بارزين، فللأول تدمير حماه، وللثاني كارثة حلبجة.
والذين قالوا بالاشتراكية، احتكروا ثروات البلاد وقاسموا الغنمة على معلفها، وفي المثالين السابقين ما يكفي للقول أن “الاشتراكية” لاتعني بالنسبة لكل منهما سوى شراكة الناس أرزاقهم ومن بعدها الاستيلاء على أرزاق الناس، حتى تحوّل كل منهما من عابر سبيل إلى ملاّك لكل موارد البلاد، حتى لم يتبق من البلاد من ثروة ليست له، و ليست تحت سطوته وسلطته.
واليوم، يرهبون الناس بـ “التقسيم”، وما من بلد اختار التقسيم إلاّ تحت وطأة استحالة التعايش وقد تحوّلت البلاد إلى “الطائفة” و “القبيلة” ومن ثم إلى العصابة، بما لم يبق من الدولة سوى الأزقة تحت وطأة أنظمة مركزية، الجار فيها ينتهك الجار، والكل فيها متجاور متهالك، حتى بات التعايش مستحيلاً تحت وطأة ونقمة ماتركوه لبلدانهم وقد حطّوا أيايدهم عليها حتى اشتهى الناس التقسيم بديلاً عن المركزيات التي لاتتعدى أن تكون “مركزية السطوة”، وانتقل هذا من العراق إلى سوريا، وهاهو اليوم قد أصاب لبنان التي باتت تحنّ إلى التقسيم يوم وضع حزب الله” يده على الدولة، فصادر حقّ المسيحي، وانتهك حقوق السنّة، وفرّط بما للدروز من أسباب للعيش، وأثقل على البلاد حتى بات متفرّداً بكل شيء بدءاً من السلاح وصلولاً لـ “القرض الحسن”، ومن بعد كل هذا وذاك بتنا نسمع أصوات الفدرلة تعلو في لبنان، وليس بعيداً ذاك اليوم الذي لن يتبقّى أمام اللبنانيين سوى واحد من خيارين:
ـ إما الحرب الأهلية على قاعدة استحالة التعايش.
وإما الطلاق الودي، بما يجعل حزب الله مستقلاً في دولته، ولكل من الطوائف اللبنانية إداراتها خارج ضغوطات حزب الله التي تصل إلى مرحلة الاحتلال للبلد، وإذا لم يكن التقسيم، فلابد من “الفدرلة” أقله ليتاح لبقية الطوائف إدارة شؤون حياتها دون تهديدات القمصان السود والسلاح الأسود وقطّاع الطريق من جماعة حزب الله الذين تحوّلوا إلى قوّة احتلال لبلد لم تتخلص من الاحتلال السوري لتقبل باحتلال وكيله.
اليوم باتت القاعدة الذهبية:
حيث يطرح هؤلاء شعاراً فاعلم أنهم ذاهبون لما يعاكسه:
ـ العيش المشترك يعني لعنة التعايش.
ـ الوحدة تعني بالنسبة اليهم زرع بذور التفرقة.
ـ الاشتراكية تعني النهب واللصوصية والسرقة.
أما عن تحرير القدس، فلقد بات الاحتلال الاسرائلي للقدس، أهون الف مرة من احتلال حزب الله لبيروت أولاً من وبعدها احتلاله لدمشق وريفها.