” أزمة الدولار مجرد لعبة من تجار الدماء، وسيتم محاسبتهم جميعاً، ومن يظن انه يحاربنا باقتصادنا لكي نرحل سنحاربه بلقمته لكي يموت “.
هذا كلام تداولته مواقع التواصل منسوب إلى السيدة أسماء الأخرس زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، وفي كلامها لم تحدد السيدة من هم تجار الدماء، وكيف ستتم محاسبتهم، غير أن الانهيار الذي وقع على الليرة السورية، قد يكون أبعد بكثير من (لعبة) ومن (تجار دماء)، فانهيار الليرة يعود في جزء كبير منه إلى:
ـ أزمة المصارف اللبنانية وفيها مليارات الليرات كودائع للسوريين، معظمهم من أهل السلطة أو المقربين منهم.
ـ شحّ موارد فصائل المعارضة بعدانقطاع تمويلات من جهات عديدة عنها، ما جعل الدولار مفقود أو شحيح.
ـ السياسات الاقتصادية للحكومة السورية، وهي سياسات تقوم على المضاربة.
وثمة أسباب تبدو مجهولة حتى اللحظة، ومن أبرزها لجوء مجموعات من المتنفذين للمصارف السورية والحصول على قروض بمليارات الليرات السورية، والطبيعي أنه هذه القروض قد استبدلت بدولارات، ومع انخفاض قيمة الليرة السورية في الاسواق وفقدها لما يقارب 40 % من قيمتها يجعل أصحاب هذه القروض يكسبون بين ليلة وضحاها فارق السعر ما بين الدولار لحظة الحصول على القروض ولحظة ارتفاع أسعار الدولار، وهي لعبة محصورة بالأيدي القادرة على الوصول الى البنوك السورية.
بالنتيجة انخفضت قيمة الليرة السورية، وهو ما سينعكس على لقمة خبز الناس وحياة الناس، في بيئة اقتصادية ربوية، قطاعات الانتاج الأساسية متوقفة فيها أقله على مستوى الصناعات الوطنية، أما المسألة الزراعية فقد باتت غارقة في السياسات الحكومية التي تضيق على المزارعين وتنهكهم بدءًا من مستلزمات الانتاج وصولاً إلى قوانين السوق.
السيدة تحيل المشكلة إلى (المؤامرة)، تمامًا كما أحال النظام الثورة السورية بدءًا من شمعتها الأولى حتى ترحيل نصف السكان وقتل نصف النصف ممن تبقى، وباللغة ذاتها بما يجعل النظام غير مسؤول عن كل ماتؤول اليه أحوال البلاد، في سياسة هي سياسة الإنكار التي دأب عليها النظام.
اليوم ثمة من يعتقد أن سوريا في طريقها إلى الثورة الثانية، وهي في هذه المرة ليست ثورة المفاهيم من مثل (الكرامة / الحرية) أو (نصرة الدين الحنيف)، بل ستكون ثورة الجياع بالمعنى التفصيلي والحرفي للكلمة.
ثمة من لايرى ذلك، ومن لايرى ذلك يعتمد في قراءاته على الخيبات التي واجهتها الثورة الاولى وعلى التكاليف البالغة التي دفعها الشعب السوري، مضافًأ إلى ذلك أن الحامل الأساسي للثورة وهم جيل الشباب وهو جيل مهاجر بات خارج الحدود، ولن تزيد ثورته عن ثورة (الفيس بوك).
بكل الحالات سوريا مقبلة على مجاعة، وهذه المجاعة ترتبط بقيمة الليرة السورية التي تتهاوى يوماً بعد يوم، وهي قيمة كان يمكن انتشالها من الانهيار، لو استعادت البلاد المال المنهوب، وهو مال بدء بنهبه منذ مطلع سبعينيات القرن الفائت حيث عائدات النفط باسم العائلة الحكامة، فيما قطاع الدولة قطاع منهوب منذ انطلاقته، أما عن القطاع الخاص فقد أغرق تحت وطأة الضرائب والابتزازات والتهجير، أو فرض الشراكات من قبل المتنفذين في الحكومات المتتالية، ويكفي للشهادة على ذلك تلك الفضائح المرتبطة بواحد من فلول السلطة وهو رفعت الأسد، فما بالك بأثرياء السلطة من جيل الأبناء كما حال رامي مخلوف وسواه.
إنقاذ الليرة السورية يساوي إنقاذ الناس من المجاعة، والواضح من الغامص في الصورة أن السلطة السياسية لاتبالي بمجاعات الناس.
كل مالديها قوله يتكئ على لغة المؤامرة، وهانحن في عز المعضلة دون أي بادرة أمل وبلا أية إجابة عن سؤال:
ـ ماحال ناس البلد في الغد وقد بات رغيف الخبز واحدة من الاستحالات؟
مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي