العالم يتغير، بإرادتنا يتغير، وبالاستقلال عن إرادتنا يتغير..
ـ تغير ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأنتج فيما أنتج الولايات المتحدة الأمريكية كقوّة صاعدة.
ـ وتغيّر مابعد الحرب العالمية الثانية فأفرز معسكرين، وعالمين، وأوربيتين، وحرب باردة.
ـ وتغير ما بعد البيروسترويكا، ففكك قوّة لحساب عولمة.
ـ وتغيّر مابعد 11 سبتمبر فوصل الى حرب العراق، وانهيار منظومات برمتها.
واليوم يتغير، وثمة من لا يحلو له القبول بالتغيير، كناتج عن سببين اثنين:
ـ قصور في إدراكه للمتغير، أو تمسكًا بمصالح كان قد أنتجها له زمنه.
من بين ما تغير، أو ماهو في الطريق إلى التغيير هذا المسمى (شرق أوسط)، وهو (شرق أوسط) كل ملامحه تختزل بـ :
ـ حروب تجتاحه دولة دولة.. حروب الجار مع الجار، وحروب أهلية، وحروب زواريب، وحروب قطّاع الطريق مع قطاع طرق.
ـ فقر وبطالة وموت التنمية الوطنية في بلدانه.
ـ القطع مع التطورات العالمية سواء مع تطورات المنظومة الغربية أو المجموعة الآسيوية أو سواهما.
الشرق الأوسط في فوهة المعضلة، وربما ستكون المعضلة الكبرى لهذا الشرق هي الصراع العربي / الإسرائيلي، فهو الصراع الذي تختبئ في ظله قوى الاستبداد، وعسكرة المجتمعات، ونمو الدكتاتوريات، وفي واقع الحال هو صراع ليس ما بين إسرائيل ومن يهتف بممانعتها، بل هو صراع بين من يهتف بممانعتها، وشعبة وليس ثمة ما أدل على ذلك من حال حب الله اللبناني الذي لم يطلق طلقة على إسرائيل منذ 2006، فيما كل طلقاته باتجاه تأبيد العنف في لبنان، مضافًا لحماية الفساد والغاء الدولة، والتمدد نحو المحيط لانجاز المهمة نفسها سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، وكل الدلائل تشير إلى أصابعه في العراق وقد بات قناصوه يحدثون المزيد من الاغتيالات لشخصيات وطنية عراقية تقف خارج عباءة الولي الفقية التي يتدثر بها.
المرحلة الراهنة، هي مرحلة شرق أوسط جديد، يطمح للتنمية، والمدنية، وبناء الدولة العصرية، وينقل ناسه من بؤس الرغيف الى استثمار الموارد والرفاهية الاجتماعية، والخروج من ظلام اللحظة بالغة العتمة.
ليس مشروعًا يمكن انجازه بقفزة هنا وقفزة هناك، ولكن مالابد منه، لاغنى عنه، وبالنتيجة فإن تأخر بـ (الممانعة) فلابد وأن يتحقق بالتراكم، بما يعني وضع حد لصراع لاطائل منه سوى المزيد من تخليف المجتمعات وهدر الموارد والدوران في المكان الذي لن ياخذك الى مكان.
عنوان العصر الجديد هو اطفاء جذوة الحرب في منطقة اختبرت الحروب وخسرت، ومع كل حرب ستخسر المزيد سوى شعاراتها الفضفاضة التي لاتطعم جائع ولاتداوي مريض، وإذا كان هذا هو التوجه العام لهذا الشرق، فلايعني ذلك أنه سينقل هذا الشرق الى البحبوحة مابين ليلة وضحاياها، فاستحقاقات الانتقال الجدي مثقلة بالأولويات، وأول الأولويات احداث تغيير جدي في وعي الناس، وفي بنية الحكومات، وفي تحديات هذا العصر، فللسلام أنيابه كما للحرب أنيابها، وهو الأمر الذي جعل قوى الأمس تتمسك بأمسها، أقله لعجزها عن الدخول في عصر جديد بإحداثيات جديدة، ووعي جديد واستحقاقات لم تكن على أجندته فيما كان عليه سابق الأيام.
ما سيحدث سيحدث، لابالرغبة، بل باستحقاقات الحياة نفسها، وبتطلعات الناس كذلك، فالناس وقد دفعوا أثمانًا من دمائهم ووقتهم ومصادر عيشهم، باتوا يحنون لمغادرة هذه اللحظة.
ـ نحو ماذا؟
هو السؤال المفتوح، ولكن ثمة إجابة مؤكدة:
ـ نحو مغادرة مقابرهم.
تلك حقيقة مؤكدة، وما بعدها قابل للحوار. و:
ـ الاختلاف.