fbpx

خاص مينا: انتهاكات إيرانية بالجملة بحق عرب الأحواز وقتل دون دماء

كثيراً ما تستخدم عبارة “مواطن من الدرجة الثانية” للتدليل على مدى التمييز الذي تمارسه الحكومات ضد مواطنيها في عمليات التوظيف والأجور والحقوق، التمييز المرتبط غالباً بدوافع عرقية أو دينية أو مذهبية.

ولأن لكل قاعدة استثناء، فقد مثل عرب الأحواز الخاضعين للسيطرة الإيرانية منذ عقود أولى استثناءات تلك القاعدة، ليثبتوا أن هناك مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة وإن لم نقل أنهم لم يصلوا حتى لدرجةٍ يمكن فيها تسميتهم بالمواطنين ولا حتى من الدرجة الرابعة، طالما أنهم خاضعون لسلطة تنظر لهم كعملاء وانفصاليين وعبء على الدولة التي تملأ معظم خزينتها من النفط المستخرج من أراضيهم.

توظيف على الهوية .. وسياسة تعطيش لإرواء مواطني الدرجة الأولى
معاناة الأحوازيين مع سياسات الحكومات الإيرانية بدأت مع ما يعرف بوصول رجالات الثورة الإسلامية إلى الحكم آواخر سبعينيات القرن الماضي وفقاً لما قاله الناشط في مجال حقوق الإنسان “محمدي هاشمي” لموقع “مينا”، مشيراً إلى أن تلك الفترة شهدت أولى مظاهر التمييز العلني ضد عرب الأحواز تحديداً، والذين بدأت الحكومة الجديدة بإقصائهم من الوظائف الحكومية بما فيها الدوائر الرسمية الواقعة في الإقليم ذو الأغلبية العربية.

في هذا السياق، أضاف “هاشمي”: “خلال الأشهر الأولى التي تلت انتصار ما يسمى بالثورة الإيرانية بدا استهداف العرب واضحاً؛ فالآلاف طردوا من الوظائف وتم استبدالهم بموظفيين إيرانيين من أصول فارسية منحدرين من مناطق بعيدة، إلى جانب سجن وإعدام أعداد أخرى بتهم معاداة الثورة”، لافتا أن معظم الشركات والوظائف النفطية في الإقليم ممنوعة على العرب.

الصادم أكثر في شهادة “هاشمي” كان تأكيده إرفاق الحكومة الإيرانية في كثيراً من الأحيان أسباب رفض طلبات التوظيف برسالة إلى المتقدم، والتي لا تخفي فيها توجهها العرقي الطائفي، مضيفاً: “إحدى الروايات التي كنت شاهداً عليها، تلقى أحد طالبي الوظائف رسالة تشير في نهايتها إلى أن أسباب الرفض هو انحداره من عرقية غير موثوق بولائها للثورة في إشارة إلى العرقية العربية الأحوازية”، مؤكداً أن لا أحد يمكن أن يحصل على وظيفة دون حصوله على موافقة أمنية مسبقة.

سياسات الحكومة الإيرانية تجاه العرب في الأحواز ووفقا لشهادة “هاشمي”، “اسم مستعار” لم تقتصر على التفقير والحرمان من الوظائف فحسب، وإنما شملتها إلى ضرب الثروة المائية للإقليم عبر جر مياه نهر كارون إلى مناطق قم وأصفهان التي تعتبر مناطق صحراوية فقيرة بالإنتاج الزراعي، لافتاً أن هذه السياسة أدت إلى بوار آلاف الهكتارات الزراعية في الإقليم الذي يعتمد عدد كبير من أهله على الاقتصاد الزراعي في ظل حرمانهم من الوظائف.

إبادة دون دماء .. وسياسة ممنهجة
قضية نهر كارون لم تتوقف عند حد سحب المياه، فوفقا لما أكده “هاشمي” فإن الحكومة الإيرانية وخلال السنوات العشر الماضية زودت سكان الإقليم بمياه غير صالحة للشرب، مضيفاً: “هي المرة الأولى التي أرى فيها مياهً سوداء، لا أعرف ما الذي تفكر فيه الحكومة ولكن ما يمكنني قوله بأنني واثق من أنها خطوة ممنهجة لقتل جماعي لسكان الإقليم وبدون دماء”.

في هذا السياق أيضاً، أشار “هاشمي” إلى وجود عشرات وربما مئات الحالات من التسمم بسبب المياه غير الصالحة للشرب، بالإضافة لعدد من الوفيات التي سجلت بسبب هذه السياسة المتبعة والمياه الملوثة، مؤكداً أن ما يشهده الإقليم يجعله معتقلاً فعلياً محصناً بآلاف العناصر من الباسيج الذي يعتبر أكثر أدوات النظام الإيراني إجراماً، وأكثرهم غرقاً في مستنقع الدم الأحوازي على حد وصفه.

وأضاف “هاشمي”: “كعرب، يدفع أهل الأحواز ضرائب عداوات إيران مع المحيط العربي وثاراته التاريخية معهم، فمع كل أزمة يصب جام غضبه عليهم، خاصةً فيما يتعلق بحربه القديمة مع العراق وعدائه المستمر مع السعودية”، مؤكداً أن اتباع معظم سكان الإقليم للمذهب الشيعي الاثني عشري لم يشفع لهم عند النظام الذي يبدو أن عداءه للعرب كان أكبر من رابطة الدين والمذهب، على حد وصف “هاشمي”.

مجرد أدوات إرهابية و مشنقة قد تنسج اللغة العربية حبالها
“عداء عابر للحدود”، بهذه العبارة وصف “هاشمي” نظرة النظام الإيراني للعرب عموماً، ساخراً من تمسك بعض الموالين لايران من العرب بدعمها لتنظيمات عربية في مواجهة إسرائيل لنفي تهمة عدائها لهم، مضيفاً: “هم مجرد أدوات إرهابية، مرتبطين بمشروع فارس الكبرى التي تسعى له إيران، انظر إلى التنظيمات التي تدعمها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، كلها تنظيمات تدير بنادقها باتجاه شعوبها، تنظيمات قتلت من شعبها أكثر ما قتله المحتلون طوال سنين”.

نظرة “هاشمي” لطبيعة العلاقة بين النظام الإيراني والعرب دعمها بالإشارة إلى ما يشهده العراق ولبنان من غارات إسرائيلية متكررة، معتبراً أنه لولا وجود هذه القواعد لكانت تلك الغارات تستهدف المدن الإيرانية وقواعد الحرس الثوري الإيراني داخل الحدود الوطنية.

يضيف “هاشمي”: “يكفي أن أقول لهؤلاء أن تعليم اللغة العربية كفيل لأن يقود إلى المعتقل وربما إلى حبل الإعدام، فالنظام يرى حتى في لغة القرآن الكريم خطراً يهدد مشروعه القومي الشعبوي الذي يتبنى فكرة أن العرب محتلون وهم المسؤولون عن انهيار عرش كسرى”، مؤكداً أن أجهزة الأمن الإيرانية اعتقلت خلال الفترة الماضي عدداً من الأحوازيين الذي كانوا يحاولون تعليم اللغة العربية سراً، لافتا في الوقت ذاته إلى اعتراف الدستور الإيراني بالمجوسية كدين رسمي للدولة، الأمر الذي يشير إلى ارتباط النظام بالإرث الكسراوي أكثر من ارتباطها بالاسلام الذي تتخذه غطاء لممارساتها والتأثير على العرب الشيعة من الناحية العاطفية على حد وصف “هاشمي”.

اختطاف وإخفاء قسري ومصير مجهول
نصبت آلاف المشانق وتعلقت آلاف الرقاب واحترقت آلاف القلوب، وكل ذلك كان بلا تهمة أو جرم على حد قول “هاشمي” الذي أكد لـ”مينا” أن أحكام الإعدام لا ترتبط بالتهمة أو الجرم بقدر ارتباطها بهوية المحكوم عليه وانتماءاته، لافتاً إلى أنها تأتي ضمن سياسة التطهير العرقي والمذهبي التي تجعل من العرق أو الدين سبباً ومبرراً للإعدام، مؤكداً أن العام ماضي شهد سلسلة من الإعدامات بحق عرب الأحواز بدون تهم واضحة، في الوقت الذي تعج فيه السجون بآلاف المعتقلين والمختفين قسرياً.

أما عن الإحصائيات حول حالات الإعدام وعدد المفقودين قسراً في السجون الإيرانية، فقد شكك “هاشمي في صحتها، على اعتبار أن الأرقام والإحصائيات وبيانات حالات الإعدام في إيران تخضع لرقابة مشددة ومن غير السهل الوصول لها، مضيفاً في الوقت ذاته: “لا يمكن لأحد أن يقدر أو يحصر ولا حتى أن يتخيل انتهاكات النظام الإيراني بحق الشعب الأحوازي إلا من تواجد على الأرض”.

يذكر أن العديد من المنظمات الحقوقية الدولية بالإضافة لمؤسسات الأمم المتحدة اتهمت إيران بممارسة سياسة عنصرية تجاه سكان إقليم الأحواز العرب، فيما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير لها حول الحريات والحقوق في إيران العام 2017 بأن الحكومة الإيرانية تستهدف الأحوازیین بشكل غير متناسب، مما جعل منهم عُرضة للقبض التعسفي، والاحتجاز المطّول والإساءة الجسدية، بالإضافة إلى التمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى