تشهد الضفة الغربية حالة من الانفلات الأمني الخطير، بعد أن أصبحت مدن وقرى عديدة سوقاً لإنتاج وترويج المواد المخدرة، ولا يخفى على أحد أن اتفاقية أوسلو التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل عام 1995، كان لها السبب في تقطيع أوصال الضفة الغربية وما نتج عنها من صعوبة سيطرة السلطة الفلسطينية على كافة المناطق، وذلك نظراً للاتفاق القائم على تقسيم الضفة إلى ثلاث مناطق (أ، ب،ج) حيث تخضع المنطقة ( أ ) تحت إدارة السلطة الفلسطينية بشكل كامل، بينما تخضع المنطقة (ب) إلى سيطرة السلطة وإسرائيل.
فيما تخضع المنطقة المصنفة (ج) والتي تمثل المساحة الأكبر ونسبتها 60 في المئة من الضفة الغربية تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة، والتي لا يحق للسلطة التدخل والتجول فيها بشكل قاطع، حيث ينشط في المنطقتين (ب،ج) انتشار متصاعد في زراعة أشتال الحشيش المختلفة، التي غزت منتجاتها مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة، وخلال إعداد التقرير والوقوف على حيثيات التوسع الكبير في الزراعة والإنتاج، فقد تبين تورط أيادي إسرائيلية في دعم أصحاب هذه المشاتل، بهدف إحلال الهبوط الأخلاقي بين صفوف الشباب، إضافة إلى جلب الأموال الطائلة من خلال هذه التجارة المربحة.
صور هذه المزارع تعددت وبطرق سرية، وذلك في حرص كبير من أصحاب تلك المشاتل على سلامتهم الأمنية، حيث يتخذ عدد كبير من التجار من أسطح منازلهم مكان أمن لزراعة اشتال مختلفة من المخدرات، والتي يأتون بها على شكل بذور يسهل تهريبها وزراعتها وتغطيتها بأكياس بلاستيكية .
إلى مدينة جنين أقصى شمال الضفة الغربية، تنشط بين المحاصيل الزراعية من نباتات الفواكه والخضروات عمليات زراعة اشتال المخدرات، التي يتم الحصول عليها من تجار إسرائيليون، حيث التربة الخصبة إضافة إلى الحرية الكاملة في زراعة ومتابعة المحاصيل، نظراً لملاصقة هذه المساحات للأراضي المحتلة عام 1948 الخاضعة لإسرائيل، حيث تعتبر هذه المناطق سوق أمن في إنتاج وتصنيع الحشيش، وتوزيعه إلى باقي مناطق الضفة الغربية.
في محاولة متكررة وإلحاح للحديث حول طرق زراعة وتصنيع المنتجات المخدرة، تواصلنا مع المواطن خليل سعيد (اسم مستعار) من سكان مدينة جنين والذي خصص جزء من سطح منزله الملاصق لأراضي تتبع لسيطرة الجيش الاسرائيلي لزراعة المخدرات، وخلال حديثه ” لـ “مرصد مينا ” أكد أنه “يعمل في مجال زراعة اشتال الحشيش وخاصة الماريجوانا والقنب الهندي منذ عامين على التوالي، وذلك بمساعدة تجار إسرائيليون يقدمون له الأشتال والخبرة الكاملة في متابعة زراعة المحاصيل، وذلك في خطوة لكسب المال والربح الزهيد المتبادل”.
وحول طرق تصنيع هذه المنتجات، بين خليل أن “محصول الماريجوانا يعتبر من أكثر المحاصيل المعمول بها، حيث يدخل بعد جنيه في عملية تصنيع تبدأ بخلطه بمكابس خاصة حتى يصبح خليطاً متماسكاً بني اللون، ومن ثم تجفيفها إلى أخر المراحل وهى وضعها في أكياس محكمة الإغلاق لعدم دخول الهواء الذي يتلفها، بعد عملية التصنيع، يتم ترويجها بعدة طرق للمستهلكين”.
في حين يوضح أن كافة عمليات الإنتاج يتكفل بها لوحده، وبعد البيع يتم تقاسم الربح بينه وبين شريكه في الجانب الإسرائيلي، وحول أكثر أنواع المخدرات والتي تشهد اقبال واسع عليها، أشار إلى أن نبتة الماريجوانا تعتبر من أشهر المحاصيل التي يتم زراعتها من قبل التجار، وخاصة ممن يقومون بعملية الزراعة على أسطح منازلهم، وذلك لانخفاض تكاليف زراعتها وعدم احتياجها لكميات كبيرة من المياه، بالإضافة إلى تحقيق عائد مادي كبير نظراً للطلب الواسع عليها.
وأضاف هناك أعداد كبيرة من التجار، يتخذون من هذه المناطق ملاذاً أمن لزراعة الأشتال سواء على أسطع المنازل أو بين المحاصيل، وذلك لعدم وجود رقابة على هذه المناطق وخلوها من الخدمات الإدارية الفلسطينية، إضافة إلى عدم وجود قانون رادع لدى السلطة الفلسطينية يلجم التجار والمروجين، الأمر الذي شجع أعداد كبيرة وخاصة العاطلين عن العمل، للتوجه إلى هذه المناطق والخوض في زمار هذه المهنة المربحة والممنوعة”.
من جهته قال الناطق بإسم الشرطة الفلسطينية لؤي إزريقات أن “إنتاج محاصيل المواد المخدرة يأخذ تزايد كبير وبأصناف كثيرة، وذلك لتمركز هذه المحاصيل في المناطق المسماة (ج) والواقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، والتي لا يمكن للأمن الفلسطيني الدخول إليها وخارجة عن اختصاصه”.
وأشار إزريقات في حديثه لـ” مرصد مينا” إلى أن “جهاز مكافحة المخدرات يعمل بكل جهد على الحد من هذا التمدد الخطير، من خلال البحث المتواصل عن التجار والمروجين، بالإضافة إلى عقد ندوات توعوية لإرشاد الشباب حول مخاطر التعامل في هذه المواد الممنوعة.
وبين أن الشرطة الفلسطينية تمكنت قبل أيام من إتلاف مئات الأشتال التي عثر عليها منها بين محاصيل زراعية وأخرى فوق منازل المواطنين، وأن هناك متابعة متواصلة من قبل الجهات المختصة لملاحقة كل من يعمل في هذا المجال الممنوع، في وقت أن نسب من يتعاطون المخدرات ارتفعت كثيراً منذ بداية العام الحالي،
وعزا هذا الانتشار والتعاطي السهل إلى غياب القانون الصارم المعمول به في الأراضي الفلسطينية، حيث إن السلطة الفلسطينية وبحسب إزريقات لا تزال تعمل بالقانون الأردني الصادر عام 1960م ، والذي يعاقب بحبس مروجي ومتعاطي المخدرات مدة أقصاها 3 شهور، وفى بعض الأحيان يتم دفع غرامة مالية بدلاً من الحبس، وهذا ما شجع انتشار هذه الظاهرة ووصولها إلى أخطر مراحل.
وخلال إحصائيات حديثة خرجت من الجهات المختصة في الضفة الغربية، بينت أن حدة تأثير إنتاج وتعاطي المواد المخدرة من النباتات المذكورة ارتفعت وتيرتها بشكل متزايد، ووفق إحصائيات رسمية فإن نسبة من يتعاطون المخدرات ارتفعت إلى 200 في المئة، بينما ظهر 25 صنفاً آخر من أنواع المخدرات التي يتم زراعتها وتداول بيعها في الضفة، وهذا ما يشكل كارثة حقيقية على عقول الشباب، ويجعل من الضفة الغربية سوقاً آمناً لإنتاج المخدرات.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي