مرصد مينا – هيئة التحرير
يزداد يوماً بعد يوم الوضع الاقتصادي في تركيا سوءاً، وتتأزم الحالة المعيشية لمواطنيها مع اتساع عجز الميزان التجاري، والانهيار غير المسبوق لعملتها الوطنية مقابل الدولار، وما زادتها أكثر صعوبة استمرار تفشي فيروس كورونا في معظم الولايات، التي لعبت دوراً في معدلات التضخم، بالإضافة إلى تضرر البنوك مع ارتفاع حجم الديون منذ استلام صهر الرئيس التركي، وزارة الخزانة والمالية، والتحكم بكل شيء، ومع ذلك ما يزال أنصار الرئيس رجب طيب أردوغان، يرددون نجاحات الاقتصاد التركي، كما لو أنه يوازي الاقتصاد الصيني بتنوعه وقدراته وبنيته المتينة، فيما تتالت تقارير دولية، تكشف عن حقائق ربما تكون جديدة على جمهور أردوغان ومناصريه، ومما جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي وعلى لسان الرئيس التنفيذي السابق للصندوق ديزموند لاكمان، من إن “تركيا ستكون من بين أوائل الدول التي سوف تتخلف عن سداد ديونها الخارجية إذا ساءت أوضاع السيولة العالمية”.
أضاف لاكمان، خلال التصريحات التي أدلى بها عبر مقابلة متلفزة مع موقع ” ليبرال ” الإخباري اليوناني، ونُشرت الإثنين الماضي، أنّ “الشركات والبنوك التركية سوف تواجه قريبًا مشاكل في سداد حوالي 300 مليار دولار من الديون بسبب ضعف الاقتصاد والعملة في البلاد”. متهماً الحكومة التركية بالإنكار لما يجري، وواصفًا إياها بأنها “ما تزال في حالة إنكار لمشاكل البلاد الاقتصادية والمالية وتفتقر إلى استراتيجية قوية”.
تحكم صهر أردوغان بكل شيء
وأوضح لاكمان وهو الباحث المقيم في معهد أميريكان إنتربرايز، أن “الليرة التركية تراجعت إلى مستويات منخفضة قياسية متتالية مقابل الدولار هذا العام، حيث شجعت حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان، على ازدهار الاقتراض من قبل الشركات والمستهلكين، وأبقى البنك المركزي أسعار الفائدة عند أقل من مستوى التضخم. وقد أدّت هذه السياسات إلى ازدهار الواردات، مما أدّى إلى اتساع عجز الحساب الجاري للبلاد بشكل مثير للقلق”.
الرئيس التنفيذي السابق لصندوق النقد الدولي، اتهم النظام التركي بالانفصام في تحليله للوضع المالي فيها قائلاً: إن “أي شخص يشكك في مدى انفصام تركيا عن الواقع يجب أن ينظر إلى الأهداف المفرطة في التفاؤل الواردة في أحدث برنامج اقتصادي جديد أعلنه وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق أواخر الشهر الماضي”. كما استغرب من التصريحات اللامسؤولة لوزير الخزانة التركي وصهر الرئيس أردوغان، بقوله: “في الوقت الذي تمر فيه بلاده بأزمة عملة وكان اقتصادها السياحي جاهزًا لتلقي ضربة أخرى من الموجة الثانية من تفشّي وباء كورونا في أوروبا، يؤكد لنا السيد البيرق أن الاقتصاد التركي سيتعافى تمامًا في عام 2021 وسينمو بمعدل 6 بالمائة تقريبًا”.
تراجع قيمة الليرة التركية
يعد “لاكمان” الخبير الذي يشغل أكثر من موقع وأكثر من دور من بيننها أنه كبير المحللين الاستراتيجيين الاقتصاديين للأسواق الناشئة سابقًا في شركة Salomon Smith Barney، وسبق أن شغل منصب نائب المدير في إدارة تطوير السياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي. مشيراً إلى تراجع الليرة التركية بنسبة 25 بالمئة هذا العام، وكذلك تلاشي معظم احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية لصالح دعم الليرة.
وأكد الخبير الدولي أنه: “بمجرد أن تبدأ أوضاع السيولة العالمية في التدهور، ستكون تركيا من أوائل الدول التي تتخلف عن سداد ديونها الخارجية”. متوقعاً حدوث أزمة ديون أكثر انتشارا في الأسواق الناشئة، مما سيضر بالاقتصاد العالمي.
الرئيس التنفيذي السابق لصندوق النقد الدولي، قدم شرحاً لما يجري، من أن “المشكلة هي أن الاقتصادات الناشئة بشكل عام دخلت في الأزمة التي سببها الوباء مع ديون مرتفعة للغاية، وهي تتعرض اليوم لعاصفة كاملة من انخفاض أسعار السلع الأساسية، فضلاً عن ضعف الأسواق الدولية نتيجة تأثيرات الوباء”. متوصلاً بعد ذلك لاستنتاج مهم وفي غاية الأهمية والخطورة حين قال إن “ذلك سوف يتسبب في أن تشهد هذه الاقتصادات أسوأ ركود منذ 90 عامًا إضافة لعجز في الميزانية، وتوقع أن يشهد العالم الكثير من حالات الإفلاس، في أميركا اللاتينية وتركيا وجنوب إفريقيا، بشكل خاص”.
عقوبات الاتحاد الأوروبي
مع إغلاق الأسواق المالية لأول أمس الثلاثاء، سجلت الليرة التركية أضعف مستوياتها مع نهاية الأسبوع الماضي، وبداية الأسبوع الجاري، وذلك خوفاً من احتمال فرض عقوبات بعد أن نشرت وكالة “بلومبرج” العالمية، تقريراً من أن أنقرة ستختبر قريبا منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 التي اشترتها، وما يبدو أنه تصاعد للتوترات مع الاتحاد الأوروبي، وزيادة فرص العقوبات عليها. القلق بدأ مع فقدان الليرة حوالي 0.5 بالمئة لتسجل 7.8 مقابل الدولار. وبلغ سعرها 7.7950 ليرة في الساعة 1503 بتوقيت جرينتش. كما سبق أن لوحت واشنطن بفرض عقوبات بسبب منظومة الصواريخ إس-400 التي اشترتها تركيا العام الماضي لكنها لم تستخدمها حتى الآن.
كما تصاعدت أيضا مخاطر فرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي بعد أن أبلغ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل أنّ القرارات المتخذة خلال قمة للاتحاد في وقت سابق هذا الشهر، غير كافية لتجاوز الخلافات الدائرة مع اليونان وقبرص بخصوص الحقوق البحرية.
تزوير الحقائق
نقلت وسائل إعلام عدة تسريبات من الداخل التركي، تؤكد تهرب المسؤولين الأتراك من قول الحقيقة، ومحاولاتهم المستمرة في تزوير الحقائق، ومن بين هذه الوسائل وكالة “بلومبيرغ” التي استشهدت بأقوال وتصريحات للرئيس السابق لمكتب الإحصاء التركي والمعارض السياسي، بيرول إدمير، الذي تحدث مطولا عن حقيقة تزوير الحكومة التركية للمعلومات المُتعلقة بالأزمة الاقتصادية التي تتعرّض لها البلاد.
اتهم “إدمير” الحكومة التركية بالانفصام بسبب مبرراتها المتناقضة، بالقول: “إن البيانات الاقتصادية التركية حاليا منفصلة عن الواقع حيث يتم اختيار مسؤولي مكتب الإحصاء بحسب معيار الولاء للحكومة وليس على أساس الكفاءة والاستحقاق”. كاشفاً التلاعب بالبيانات الواردة: “عندما تتلاعب بالبيانات فإنك تسير في الطريق اليوناني” في إشارة إلى تلاعب الحكومات اليونانية بالبيانات الاقتصادية في العقد الأول من القرن الحالي مما أدى إلى تفجر أزمة مالية طاحنة في اليونان عام 2009.
ولم يكتف الرئيس السابق لمكتب الإحصاء التركي والمعارض السياسي، بتلك التصريحات؛ بل قال عبر صحيفة “سوزكو” التركية، إن “البيانات الوطنية الخاصة بالنمو والوظائف والتضخم مشكوك فيها” للغاية”.
على الرغم من كل هذه الأدلة والتصريحات التي قدمها خبراء ووكالات لهم سمعتهم، فإنّ الحكومة التركية ما تزال في حالة إنكار لمشاكل البلاد الاقتصادية والمالية وتفتقر إلى استراتيجية قوية، وبالتالي فإن أي شخص يشكك في مدى انفصام تركيا عن الواقع يجب أن ينظر إلى الأهداف المفرطة في التفاؤل الواردة في أحدث برنامج اقتصادي جديد أعلنه وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق أواخر الشهر الماضي، وهذا ما أكده لاكمان في أكثر من مناسبة.