
نبيل الملحم
بعض من هواياتي، وهي من هوايات هدر الزمن (فأنا رجل يستهويه الزمن المهدور)، تتعلق بخطابات رؤساء وزعماء، غالباً من ثقيلي الظل، وعديمي الفائدة، وهكذا لا أمانع نفسي من متابعة خطاب لبشار الأسد وقد استغرق 99 دقيقة متجاوزاً خطاباً للقذافي وقد طال وصولاً إلى 76 دقيقة، أما خطابات والده الراحل فتوقيتها حسب وارين كريستوفر فلا يُحدّد بساعة اليد أو الحائط بل بتوقيت المثانة، فطالما عانى الرجل من صراخ مثانته كلما التقى الأسد الراحل، والخطاب لابد في التاريخ وتفجير المثانة.
من أجل “هدر الزمن” عدت لخطابات قمّة القاهرة، فاستوقفني خطاب واحد، هو خطاب فيه (لغة)، والخطاب لجوزيف عون وأظن أن كاتبه هو جان عزيز الذي أعرف لغته وأميّزها من بين ألف لغة، ومفادها أنها تمشي على غير قاعدتي، فلا هدر للزمن فيها، وهذا أزعجني، على العكس من لغة أبو مازن، أو لغة السيسي، أو لغة العراقي عبد اللطيف رشيد، ابن بلد اللغة، والذي لم يحصد من ثمار بلاده اللغوية سوى ما يمكن تصنيفة بخانة لزوم ما لايلزم، فلا قيمة للغته حتى ولو كانت الثرثرة قيمة، وبالنتيجة تابعت كل خطابات القاعة، وجمعتها في دماغي لأشكّلها أو أعيد تشكيلها، فلم أحصد سوى الضجيج مع حرص على عدم انفجار المثانة.
ذات يوم سجّل التاريخ خطبة بتوقيع جورج واشنطن مدتها 135 كلمة، أي دقيقة ونصف، يقول المؤرخون أنها مازالت دليل عمل لأقوى أمبراطورية في التاريخ المعاصر، وأتساءل:
ـ كيف يختار هؤلاء الزعماء كتّاب خطاباتهم؟
ربما من حمواتهم.
ـ لِمَ لا.
ذات يوم شاهدت فيلم The King’s Speech المقتبس عن قصة حقيقة تتصل بالملك جورج السادس، وقد رُشّح الفلم لـ 12 جائزة أوسكار فاز بأربعة منها.
أتساءل:
ألا يمتلك زعماء القمّة إياها وقتاً مهدوراً كما وقتي ليشاهدوا سينما؟
وبالنتيجة:
ـ أليس لبلدانهم كتّاباً يمكن ائتمانهم على ورقة وقلم ليكتبوا لهم خطاباتهم ويخففوا عن كاهل “الشرشحة” وقد باتت سمة لعصورهم ودهورهم؟