مرصد مينا
وعد الإسرائيليين أنه سيبقى وفيّاً لإسرائيل ما تبقى من حياته، كان هذا في خطاب الاتحاد أمس، والذين يعرفون حقيقة جو بايدن يعرفون أن ما قاله ليس استجابة لاستحقاقات الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة، بل هو حقيقة لا يُجادَل فيها، وكذا حال وزير خارجيته أنتوني بلينكن، غير أن مقتطفات من خطابه، أقرت ولو مواربة بحجم الكوارث التي يشهدها قطاع غزة وحجم الضحايا المدنيين فيها، دون نسيان إعلانه عن ميناء بحري مؤقت لجلب المعونات الغذائية إلى القطاع والتي لن تخرج من لارنكا القبرصية إلاّ تحت نظر القوات الإسرائيلية مخافة من “دسّ الأنفاق في صناديق المعونات”، كما لوّح بحل المسألة الغزاوية وذلك باشتراط أن “تسلّم حماس المتسببين بـ ٧ أكتوبر”، وهو الشرط الذي يقول بانتحار حماس.
خطاب بايدن حتماً انشغل بنقاط ثلاث:
ـ الغمز من دونالد ترامب، وذلك بديهي في ظل التنافس الرئاسي.
ـ التلويح بمواجهة فلاديمير بوتين، مع ترحيبه بوزير خارجية السويد وقد حمل معه كتاب انضمام بلاده إلى الناتو.
وإيران، وهو من شدّد على لعنة إيران باعتبارها لعنة تتجاوز الولايات المتحدة وتلقي بكارثتها على العالم وتحديداً على الشرق الأوسط، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
لا جديد في كل ما قاله الرئيس الأمريكي، وكل الجديد هو الاحتفال، وقد ظهرت كمالا هاريس في خلفية المشهد لتقود فريق التصفيق للرئيس، فيما حرص الرئيس على تجنّب أيّ من زلات اللسان أو موجبات التعثر الذهني التي تقتضيها الشيخوخة وقد فاز في امتحانها.
المسألة الأكثر التصاقاً بالعرب لابد ستكون مسألة غزة، ولابد أن تليها أو توازيها المسألة الإيرانية، وكلتاهما باتتا ملتصقتان في الخطابين الأمريكي والإسرائيلي، وكلتاهما تضعان الولايات المتحدة، أيّ كان الرئيس المقبل، في مواجهة استحقاقات لاشك بأنها تدخل في مساحة المغامرة، فالمسألة الغزاوية لم تعد قاصرة على “حماس” بل تعدتها إلى اليمن والعراق كما لبنان، أما المسألة الإيرانية فكل المؤشرات تقول بأن مخازن السلاح الإيراني باتت تتسع للسلاح النووي، فإن لم يكن بالجهوزية الكاملة فهو قابل للجهوزية لحظة القرار السياسي، ما يعني أن فتح جبهة مباشرة مع إيران بات غاية في المجازفة، فما “ينبغي فعله ينبغي فعله عندما ينبغي”، وكلام شكسبير هذا الوارد ما بين ظفرين، فات السيد جو بايدن، الذي فرش كل الطرق لإيران بأن تضع يدها على الشرق الأوسط ما بعد تأجيله للحرب معها، ومن ثم مغازلتها، بل ورشوتها بالأموال المستعادة، وهو ما جعل طهران تستقوي على الغرب، وتحدد إيقاعات اللعبة، لتكون اللاعب الرئيسي في بر الشرق الأوسط وبحاره، وبما يجعل التهديدات الأمريكية مجرد ضجيج صوتي، وهو ما رسم فشلاً ذريعاً للقوة الأمريكية وقد باتت صواريخ الحوثي تطال سفنها دون التدقيق في الأعلام المرفوعة عليها.
بنيامين نتنياهو يحث الإدارة الأمريكية على المغامرة، بدءاً من استعداداته للحرب على جنوب لبنان، وصولاً لتجهيز قواته لقصف طهران، أما جو بايدن فبلا ادنى شك لن يكون جاهزاً لأية مغامرة قاتلة.
جو بايدن يشتغل على “الكرة الملساء المتدحرجة على الزجاج الاملس” فيما بنيامين نتنياهو يشتغل على تحطيم الزجاج، وهنا سيكون الفارق.
سمعنا خطاب الرئيس الأمريكي، ولابد استوقفتنا السيدة هاريس التي قادت جوقة التصفيق للسديد الرئيس.