”بابا الفاتيكان يدرك جيدا أن السيستاني يتمتع بمكانة ونفوذ رفيعين ليس فقط لدى الشيعة وإنما لدى العالم كونه زعيما دينيا معتدلا، ولهذا اغتنم البابا الفرصة والتقى السيستاني في هذا التوقيت المهم“.
كلام لافت لكاتب إيراني على موقع إذاعة “فردا” الإيرانية المعارضة، وسيزداد أهمية حين نقرأ استطراداته””لقاء بابا الفاتيكان بالسيستاني يحمل جانبا آخر غير سياسي، إذ سيُسهم اللقاء في رفعة مكانة النجف في العالم الشيعي، وذلك مقابل القطب المنافس الآخر للنجف وهي قُم؛ المدينة الإيرانية التي تحتضن أيديولوجية ولاية الفقيه الشيعية“.
ببساطة فإن هذا الكلام يعني فيما يعنيه أن صعود نجم السيستاني سيكون على حساب خامنئي، وبما يعني أن تتحول عاصمة الشيعة من “قم” إلى “النجف”.
موقع فردا استفاض قليلاً في تبرير استخلاصه إياه فـ ”المنافسة بين السيستاني والمرشد الإيراني خامنئي على زعامة العالم الشيعي قد بدأت منذ تولي خامنئي قيادة إيران، ثم تصاعدت هذه المنافسة بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين“.
الموقع الايراني لفت إلى أن رجال خامنئي سواء في إيران أو العراق يقودون حملات إعلامية مضادة للسيستاني في إطار هذه المنافسة، بينما تعجز طهران عن حذف السيستاني من المشهدين السياسي والمذهبي العراقي، ولذلك تعمل على الحد من نفوذ السيستاني.
في المقابل، أشار الموقع إلى أن أسلوب السيستاني في التعامل مع تصاعد النفوذ الإيراني في العراق يعتمد على الحيطة، إذ لا يهاجم السيستاني شخص خامنئي بشكل مباشر، وإنما يمتنع بشكل مباشر عن تأييد سياسات طهران وزعيمها خامنئي خاصة التي تتعلق بسيادة العراق، كما لا يجري أي زيارات لإيران رغم أنها مسقط رأسه.
ـ هل سيتوافق ايرانيون آخرون مع ما نشره موقع “فردا”؟
الباحث الديني الإيراني، حسن فرشتيان، رأى في زيارة بابا الفاتيكان إلى السيستاني “تبعث برسالة شبه مباشرة للمرشد الإيراني، علي خامنئي”، مؤكدا أن اللقاء لا يصب في صالح مكانة خامنئي لدى الشيعة في العالم الإسلامي.
وأضاف في تقرير منشور على موقع ”إيران واير“ الإيراني المعارض،”أن نظام الجمهورية الإسلامية في طهران يدّعي زعامة الشيعة في العالم ويروج بشكل كبير لشخص خامنئي كإمام المسلمين، في حين أن زعامة الشيعة تقع بشكل طبيعي لدى السيستاني؛ وذلك لأن الأخير بعيد عن أي مناصب سياسية“.
وأشار فرشتيان إلى أن اختيار بابا الفاتيكان زيارة العراق وليس إيران ولقاءه السيستاني وليس خامنئي تحمل رسالة سياسية ومذهبية مهمة للغاية، بحيث يرى الكثير من الباحثين الدينيين الشيعة أن هذه الزيارة هي في الواقع نهاية ادعاء إيران للزعامة الروحية للعالم الشيعي.
الباحث الديني الإيراني إياه رأى بأن اختيار الفاتيكان للعراق ولقاءه بشخص السيستاني وليس خامنئي يأتي في ظل اقتناع الفاتيكان بعدم احترام طهران لحقوق الأقليات الدينية، في حين أن زيارة البابا للعراق تأتي لدعم حوار الأديان واحترام أصحابها كافة.
المتابع للصحافة الايرانية، والمعارضة على وجه التحديد، سيصغي إلى أصوات أخرى، فهذه سولماز إيكدر تؤكد الفرضية القائلة بفشل خامنئي في الترويج لنظرية ”ولاية الفقيه“ والتفرد بالزعامة الروحية والسياسية في العالم الشيعي مقابل المرجع الأعلى في العراق، آية الله السيستاني.
وقالت في مقالها المنشور على موقع ”زيتون“ الإخباري المعارض، ”إن الجمهورية الإسلامية أنفقت مبالغ طائلة خلال العقود الأخيرة للترويج بين شيعة المنطقة والعالم لشخص خامنئي، بينما نسفت زيارة بابا الفاتيكان للعراق ولقاءه بالسيستاني هذه الجهود الإيرانية في ظرف لقاء امتد لـ 50 دقيقة فقط”.
ورأت إيكدر أن ”لقاء بابا الفاتيكان بالسيستاني أكدت أن خامنئي لا يُمثل زعيم الشيعة في العالم، بل إن زعامة خامنئي داخل إيران ذاتها أصبحت مهددة عند الإيرانيين، حتى بات المرشد الإيراني يتزعم أقلية من المسؤولين والأنصار”.
خمسون دقيقة من لقاء البابا فرانسيس مع السيستاني، كانت كافية لهز لحية علي خامنئي، تلك حقيقة، وربما هذه الحقيقة ماتزال تداعياتها مكتومة، غير أن المتكتم عليه، لابد ويعلن، ومن بوادر إعلانه:
ـ الصمت عليه.
هو صمت تجلّى في إعلام أذرع على خامنئي وملحقاته من مثل “حزب الله” الذي صمت إعلامه عن زيارة البابا للنجف، وكأنها لم تحدث.
“حزب الله” بلع المنجل، تلك حقيقة.
ما يتبقى هو “الوقت”.
الوقت الذي يستعيد فيه شيعة العراق عراقيتهم فيما الاحتلال الايراني يخيم بكلكله عليهم.
ـ خمسون دقيقة هزّت عرش خامنئي.