خيارات واشنطن في سوريا.. بين الانسحاب والضغط والتطبيع مع الشرع

مرصد مينا

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريراً تناولت فيه مستقبل السياسة الأميركية في سوريا، مشيرة إلى أن واشنطن تقف اليوم أمام ثلاثة مسارات متباينة: الانسحاب الكامل من البلاد، أو دعم الاستقرار عبر التطبيع مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أو الحفاظ على النفوذ من خلال الضغط التدريجي دون تقديم تنازلات جوهرية.

جاء هذا التقرير عقب الزيارة التي قام بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة الفرنسية باريس يوم الأربعاء الماضي (7 مايو 2025) حيث استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعا إلى رفع العقوبات عن دمشق.

ملف المقاتلين الأجانب

وأثار خطاب الشرع هناك ردود فعل متباينة؛ فبينما اعتُبر خطاباً بنّاءً من بعض الدوائر، فقد قوبل بالتحفظ من قوى أخرى بسبب غياب خطة واضحة لطرد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف الجيش السوري الجديد.

وبرّر الشرع موقفه بالقول إن من تبقى من هؤلاء المقاتلين “سيلتزمون بالقانون السوري ولن يشكلوا تهديداً”، مضيفاً أن كثيرين منهم تزوجوا من سوريات ويمكن منحهم الجنسية لاحقاً.

غير أن تقارير تؤكد أن بعض هؤلاء المقاتلين باتوا يشغلون مناصب قيادية في الجيش، وهو ما يعقّد جهود تخفيف العقوبات ويثير قلق الدول الأوروبية التي تسعى لإعادة اللاجئين السوريين ضمن بيئة آمنة.

الأنسحاب الأمريكي من سوريا

في واشنطن، تشير التقارير إلى أن الرئيس دونالد ترمب يميل نحو تقليص الوجود الأميركي في سوريا، وقد بدأ فعلاً بسحب نصف القوات، في وقت تضغط فيه أنقرة، مدعومة من قطر، لتقديم أحمد الشرع كضامن لاستقرار البلاد يسمح بانسحاب أميركي كامل، بما يعكس رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

في المقابل، تعارض إسرائيل هذا التوجه بشدة، حيث عبّرت قيادتها السياسية والعسكرية عن رفضها الكامل لمنح الشرع أي شرعية، معتبرة أن حكومته قد تكون “غطاءً للتنظيمات الجهادية، ما يشكل خطراً مباشراً على حدودها وعلى الأقليات السورية”.

كما اتهمت تل أبيب أردوغان بالسعي للهيمنة على الشمال السوري وسحق الأكراد وتحويل سوريا إلى قاعدة أمامية.

خطط إسرائيل في سوريا

من هذا المنطلق، تقترح إسرائيل إقامة منطقة ذات حكم ذاتي للدروز جنوب دمشق، شرط إبعاد الشرع عنها، بينما يتمسك الكرد في الشمال الشرقي بمطالبهم بحكم ذاتي موسع.

وبين هذين المطلبين، يطالب الشرع كلا الطرفين بتسليم السلاح وحل تنظيماتهم، دون تقديم ضمانات واضحة، رغم الاتهامات الموجهة لقواته بارتكاب “مجازر” بحق العلويين وشن “هجمات” على مناطق درزية.

ويرى الباحث ديفيد أدسنيك من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن هذه التهديدات، دون حلول واضحة، تجعل أي اتفاق مع الشرع “محفوفاً بالمخاطر”.

“اللامركزية” ليست حلاً سحرياً

أما على صعيد الحلول السياسية، فترى الصحيفة أن “اللامركزية” في سوريا ليست حلاً سحرياً، إذ قد تخلق فراغات تستغلها إيران أو تنظيم “داعش”، ما يزيد من احتمالات العنف الجهادي ويضعف سيطرة الدولة.

وفي سياق متصل، طرحت السعودية خياراً وسطاً يمنح الشرع فرصة مشروطة لإثبات نياته في حماية الأقليات وتفادي النزاعات الإقليمية، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات مع خطوات ملموسة مثل طرد المقاتلين الأجانب والتخلي عن السلاح الكيميائي.

من جهته، عبّر الأستاذ في جامعة برينستون، برنارد هيكل، عن تشاؤمه من إمكانية الوصول إلى “حل مثالي”، قائلاً إن الولايات المتحدة تواجه صعوبة في تقبّل واقع معقد لا يوفر إجابات واضحة.

في النهاية، وبين هذا التباين في المواقف، ترى الصحيفة أن أفضل دور يمكن أن تلعبه واشنطن هو المساعدة في منع اندلاع صراع مباشر بين القوتين الإقليميتين الكبريين المتبقيتين في الملف السوري، وهما إسرائيل وتركيا، خاصة مع الإشارات المتزايدة عن فتح قنوات تواصل سرية غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب.

Exit mobile version