دائرة الطباشير السورية

مرصد مينا

لن يُبالغ السوريون إن منحوا حكاية العصفور والبقرة أهمية استثنائية من بين الحكايا، وهي حتماً ليست من كليلة ودمنة وكان ترجمها ابن المقفع ربما عن القشتالية.

بالوسع استعادة الحكاية، فالحكاية تقول بأن عصفور عنيد قرر من دون العصافير الامتناع عن الهجرة في فصل الشتاء، ولكن سرعان ما أصبح الطقس بارداً جداً؛ الأمر الذي اجبره على الطيران منفرداً .

بعد فترة وجيزة من التحليق، اخذ الجليد يتجمع في جناحيه فسقط في فناء مخزن القمح وهو على وشك أن يلفظ أنفاسه  من شدة البرد.

في هذه الأثناء توقفت بقرة بجوار العصفور وأفرغت ما في جوفها على الطائر الصغير .. ظنَّ العصفور أنها النهاية .. ولكن سخونة روث البقرة أذابت الجليد من على جناحيه فالتقط أنفاسه، ومنحه الشعور بالدفء سعادة بالغة لدرجة اخذ معها يزقزق وهو في كومة الروث.

صوت الزقزقة هذا لفت انتباه قطة ضالة كانت في الجوار فذهبت لاستطلاع الأمر .. أزاحت الروث ولدهشتها وجدت العصفور ما زال يزقزق فرحاً .. فالتهمته.

استعادة الحكاية في اسقاطاته تعني الكثير، فطالما عانى السوريون من صقيعين:

ـ صقيع الطبية مع حرمانهم من أسباب التدفئة.

وصقيع أنظمة تتالت على البلد بما حرم البلد من دفء أيّة تحولات تسمح لسكانه بالشراكة الوطنية التي تعني فيما تعنيه “تداول السلطة” كواحد من اعمدة حقوق الإنسان في هذا الكوكب.

انتفض السوريون، ومع انتفاضتهم دفعوا أثماناً بالوسع وصفها بـ “البالغة”، وكانت ا لأثمان قد دفعت من اجل “بلوغ الدولة” لتتجاوز الدولة مراهقة الطغاة.. طغاة أمعنوا بـ :

ـ الفساد / مصادرة الحريات / احتكار الثروة/ نقل البلد من الدولة إلى كل ماقبل الدولة من تشكيلات الطائفة والى عصابة انحداراً نحو سلطة عائلة على الدولة.

وأطلقت الثورة، وأنتجت فيما أنتجت قوى معارضة، فكان أن ورثت المعارضة من دولة الطغيان كل سماتها:

ـ الفساد / مصادرة الحريات / احتكار الثروة، والطغيان مسخاً عن طغيان السلطة.

ومن بعدها كان على الناس البحث عن غطاء فكان غطاء السلطة قد اختُبِر، ليكون الاختبار اللاحق أشدّ مرارة من اختبار السلطة، بما جعل المعادلة كالتالي:

ـ سلطة صادرت امس السوريين، ومعارضة تشتغل على مصادرة مستقبلهم.

وفي الحالين كان الفساد متزاوجاً مع الاستبداد وهذه مناطق سيطرة المعارضة تشهد على هذا المآل القاتل لنموذج ينتمي إلى أحط تجليات الماضي، ماجعل الحصاد لايتجاوز:

ـ التقسم الموضوعي للبلد، ولم يتبق سوى التقسيم الدستوري/ القانوني، ما يستدعي حكاية ثانية دون منوعات كليلة ودمنة بل حكاية يمكن أن تستمد من الألماني بتولد بريشت أما الحكاية فهي:

ملكه تتخلى عن طفلها الرضيع وتهرب خوفًا ويظل الصغير في رعاية الخادمه الصغيرة حتى تمر الأعوام وتعود الملكة للحكم وتطالب باسترداد إبنها لكن الخادمه تتمسك به وعندما يقع القاضي في حيرة من أمره يصنع دائره من الطبشور ويضع بداخلها الصغير ويطلب من كلتاهما أن يجذباه لخارج الدائرة فمن تنجح في جذبه وانتزاعه تكون أمه.. مايحدث أن يد الخادمة كانت أرحم فيحكم القاضى للخادمة..

ـ هكذا صور بريخت تنازعهما.

الفارق هنا ونعني مابين دائرة الطباشير القوقازية ودائرة الطباشير السورية، أن كلتاهما تنازعا الطفل حتى “شلّخاه”.

ما يعني أن البلد يتيم.

هو اليتم السوري ما بين سلطة فاسدة ومعارضة أشدّ فساداً.

Exit mobile version